فإنه لما رأيت الحج وقع في الدين موقعا جليلا، وكتب فرضه على كل من استطاع إليه سبيلا، فاستخف الناس بحق الله فيه، حتى كأنه تطوع عند العوام، وفضيلة مرغوب فيها عند جل(1) من ينتحل(2) الإسلام، ولاسيما اليوم أهل هذه الدعوة الرضية (3) ، دون غيرهم من أهل الأهواء المرجئة(4)، فإنهم أخذوا فيه بالسهم الأخسر، والحظ الأنقص، مع ما خول بعضهم من الاستطاعة عليه، وإمكان السير والسبيل إليه، فإذا أقمت على أحدهم الحجة، وألزمته طريق المحجة، أخذ يروغ يمينا وشمالا، ويتعلل بعليل(5) تورث صاحبها نكالا، وتعقبه خزيا واضمحلالا(6)، يقول: إن الجور اليوم قد استفاض وطريق الأمن عسير(7) الإنهاض[س/2]، وأن الحج قد سقط فرضه في هذا الزمان؛ لتوعر الطريق وقلة الأمان، وعون الرفيق وعدم
__________
(1) جل: جل الشيء وجلاله، معظمه.(المصدر السابق) 2/334.
(2) ينتحل: تقول: فلان ينتحل كذا وكذا، أي يدين به.(المصدر السابق)، 14/ 74.
(3) يشير إلى أهل مذهبه الإباضي.
(4) المرجئة: يحمل معنيين:1- التأخير،2- إعطاء الرجاء، فأما إطلاق اسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الأول، فصحيح؛ لأنهم كانوا يؤخرون العمل عن النية، وأما المعنى الثاني فظاهر؛ لأنهم يقولون: لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة، وقيل: إن المرجئة أصناف: منهم مرجئة قدرية، ومرجئة جبرية، ومرجئة خالصة، ويقال: إن أول من قال بالإرجاء، هو غيلان الدمشقي. ينظر الشيخ أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الورجلاني، (الدليل والبرهان)،وزارة التراث القومي والثقافة، 1403 ه- -1983م،1/ 62- 63، ومحمد بن عبد الكريم الشهرستاني، (الملل والنحل)،دار الفكر، بيروت - لبنان،بدون ت،ط، ص 139.
(5) هكذا رسمت، ولعل الأصوب "بعلل".
(6) اضمحل الشيء: أي: ذهب وانحل.(لسان العرب) 8/ 28، مادة "ضحل".
(7) عسر: ضد اليسر، وهو الضيق والشدة، والصعوبة.(المصدر السابق)، 5/ 207، مادة "عسر".
صفحه ۵