الخواص بالعوام، واعتياقهم في ذلك للإنسان من جهات:
أحدها: أنهم يأتونه من جهة عقوق والديه، وقطيعة رحمه المحرمة عليه، وأنه إن تركهم على هذه الحالة لا ينال ما يطلب، ولا يصل إلى ما فيه يرغب، فليقابلهم بقول الرسول - عليه السلام - : "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"(1)، وقول الله - سبحانه - في الشرك وغيره من المحرمات: { فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا } (2) الآية، وكذلك ترك الحج وغيره من المفروضات، لا طاعة فيه لمخلوق، و لما روي من طريق أبي الشعثاء جابر بن زيد، أنه سأله سليمان بن عبيد، فقال له: (إن أبي منعني الحج، فقال: كم الصلوات؟ قال: خمس، فقال له: أيصلح أن يمنعك منها شيئا؟ قال: لا قال:حج حجة ثم طع والدك)، وهذا الذي ذكرناه في حج الفريضة، وأما النافلة فلهما منعه، والله أعلم.
ومن العذال من يأتيه من جهة خوف الطريق، وقلة الرفيق، وأن الحج قد سقط في هذه الأزمنة، ربما يقول له: لو تصدقت هاهنا بزادك لكان خيرا لك من حج هذا أشدهم [س/23] عليك، وهو رسول إبليس إليك، فاهزم جيشه، بأن تقول له:يا جاهل،كيف تخوفني بتوعر الطريق، وقلة الرفيق؟ أو لا تنظر إلى الناس يجيئون، ويذهبون حاجين ومعتمرين، فيرجعون آمنين من الآفات، سالمين من العاهات؟! وهب أن الطرق مشحونة بالمخافات، مسدودة من جميع الجهات، أما كان في طلب الجنة والغفران، والسلامة من الخزي والهوان، ما يكابد به العبد المشقات، ويهون عليه في ذات ربه المصيبات؟
__________
(1) رواه الترمذي من طريق ابن عمر ، (21) كتاب الجهاد، (29) باب ما جاء لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ح رقم 1707، والطبراني.في الأوسط 4/182، ح رقم 3917، وابن أبي شيبه من طريق الحسن، 6/545، ح رقم 33717.
(2) سورة لقمان، الآية 15.
صفحه ۵۵