أما البلوغ، فلا خلاف بين الأمة أن الصبي غير مخاطب بالفرائض البدنية، حتى يبلغ الحلم، فذلك كالصلاة، والصوم، والحج وما شاكلها؛ لقول النبي - عليه السلام -:(رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم، والمجنون حتى يفيق، والنائم حتى يستيقظ)(1)، لكن إذا أوقعه الصبي، هل يجزئه عن فرضه أم لا؟ فيه خلاف بين أصحابنا، والأظهر لا يجزي عنه؛ لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أيما صبي حج لم يبلغ الحنث (2)، فعليه حجة أخرى"(3)، واحتج من قال: بأنه يجزئه، بما روي عنه - عليه السلام - من طريق ابن عباس أنه مر - عليه السلام - بامرأة في محفة(4)، فقيل لها:
__________
(1) رواه من طريق الإمام علي أبو داود في (37) كتاب الحدود، في (17) المجنون يسرق أو يصيب حدا، ح رقم 4398، وبرقم 4401، ، ورواه الترمذي، في (15) كتاب الحدود، في (1) ما جاء فيمن لا يجب عليه الحد، ح رقم1423، وقال أبو عيسى: حديث علي، حسن غريب من هذا الوجه، ورواه النسائي من طريق السيدة عائشة في (10) كتاب الطلاق، في (21) باب من لا يقع طلاقه من الأزواج، ح.رقم 3462.
(2) الحنث: الإدراك والبلوغ. ينظر: ابن منظور، (لسان العرب)، 3/353، مادة "حنث".
(3) رواه الحاكم في كتاب المناسك، 1/481، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ورواه ابن خزيمة في المناسك، في(871) باب الصبي يحج قبل البلوغ ثم يبلغ، 4/349، رقم.ح 3050، ورواه البيهقي في كتاب الحج، باب إثبات فرض الحج على من استطاع إليه سبيلا، 4/ 325، وقال: الصواب وقفه، رواه الطبراني في الأوسط 3/ 213، ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار، في مناسك الحج، في باب حج الصغير، 2/ .257، كلهم من طريق ابن عباس.
(4) محفة: المحفة: رحل يحف بثوب، ثم تركب فيه المرأة، وقيل: المحفة مركب كالهودج يقبب، والمحفة لا تقبب، وقيل: المحفة مركب من مراكب النساء. ينظر: ابن منظور، (لسان العرب) 3/ 244، مادة"حفف".
صفحه ۳۴