أنه كان يقول: (وجدنا العبادة في أربعة أشياء: أما الصلاة فتنهك(1) البدن، وتنعم القلب وتعفي المال، ووجدنا الزكاة، تعفي البدن وتنهك المال، ووجدنا الصوم ينهك البدن ويعفي المال، ووجدنا الحج يتعب البدن وينهك المال ويشعث الرأس ويسفع(2) الوجه ويمنع من كثير من اللباس والطيب والباه(3)، فأرى ذلك كله أفضل الأمور الحج؛ لأنه يجمع تعب البدن، ونفقة المال)، هذا قول جابر على قرب داره من مكة، وأمان الطريق، وكيف لمن كان بعيد الدار مع خوف الطريق، وكان جابر ~ فيما بلغنا حج أربعين حجة أو عمرة، وفي بعض الآثار اثنين وعشرين حجة، والأول أشهر، وبلغنا أن رجلا قال: (يا أبا الشعثاء، أراك تواظب على الحج - وكان يحج كل سنة فيما بلغنا-، فقال له الرجل: هل بلغك فيه حديث؟[س/12]، قال له جابر: ربما فتح للعبد في أمر، فليمض عليه أجره، مع أنه قد بلغني (أن الحج إلى الحج كفارة لما بينهما من الذنوب للمسلم، إذا اجتنب الكبائر)(4)، والله أعلم، وفضائل الحج أكثر من أن تحصى، وناهيك بوفد قال الله فيهم: { يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق } (5)، جعلنا الله ممن أجاب إليه التلبية، وسارع إلى الخيرات بإخلاص من النية، وأناب إليه من كل ذنب وخطيئة، إنه ولي العون، ومجيب الدعوات، وهو
__________
(1) تنهك: نهك النهك: التنقص، ونهكته الحمى نهكا ونهكا ونهاكة ونهكة: جهدته وأضنته ونقصت لحمه.ابن منظور (لسان العرب)، 14/308، مادة "نهك".
(2) لم تفهم الكلمة، ورسمتها هكذا، لأننا نراها أقرب إلى الصواب، ويسفع الوجه: السفعة، والسفع: السواد والشحوب، وقيل: نوع من السواد ليس بالكثير، وقيل غير ذلك.ابن منظور (لسان العرب) 6/281، مادة "سفع".
(3) الباه: الباه والباهة:. النكاح، وقيل: الحظ من النكاح، وهو الجماع.(المصدر السابق)، 1/ 529 - 530. مادة "بوأ".
(4) لم أقف على تخريجه.
(5) سورة الحج ، الآية 27.
صفحه ۳۰