كيوم ولدتهم أمهم، فإذا رموا الجمار، وحلقوا الرؤوس، وزاروا البيت، نادى مناد من تحت العرش: ارجعوا مغفورا لكم،واستأنفوا العمل"(1)، وعن مجاهد قال: (إن الحجاج إذا قدموا مكة، تلقتهم الملائكة، فسلموا على ركبان الإبل، وصافحوا ركبان الحمير والبغال، واعتنقوا المشاة اعتناقا)، وعن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال بعدما كف بصره: (ما ندمت على شيء،[س/11] ما ندمت على أن أكون حججت ماشيا؛ لأني سمعت الله يقول:?يأتوك رجالا وعلى كل ضامر? (2) (3)، وقد قيل: إذا كان الطريق قريبا، فالمشي أفضل من الركوب، وإذا كان بعيدا، فالركوب أفضل؛ لأن المشي يتعب الإنسان، ويسوء خلقه، ولا ينبغي لمن خاف العجز، أن يتكلف المشي؛ لما روي عن ابن عباس، أن رجلا قال: يا رسول الله، إن أختي نذرت، أن تحج ماشية، فقال - عليه السلام -: "إن الله لا يحب شقاها، تكفر عن يمينها، وتحج راكبة"(4)، وكفارة من عجز عن المشي إلى الحج، إذا نذر به أن يركب، ويحج معه آخر راكبا، هكذا في آثار أصحابنا - رحمهم الله -(5)، فإذا منع النبي - صلى الله عليه وسلم - من المشي من نذر به الإشفاق عليه من الألم الذي يلحقه، كان الذي لم ينذر به أحرى(6) أن يدعه، وبلغنا عن جابر بن زيد ~(7)
__________
(1) لم نقف على تخريجه.
(2) سورة الحج ،الآية 27.
(3) رواه البيهقي، في شعب الإيمان، في (25) كتاب المناسك، في حديث الكعبة، والمسجد الحرام، 3/430، رقم.ح 3979، ورواه الطبري في تفسيره، 17/145.
(4) رواه الدارمي، في (2)، كتاب المناسك، (2) باب في كفارة النذر، ص 747، رقم.ح 2339، أبو يعلى 5/122، رقم.ح، 2737.، من طريق ابن عباس.
(5) ابن بركة (الجامع)2/43.
(6) أحرى: الخليق، وفي الحديث (إن هذا لحري، إن خطب أن ينكح)، وحري أي جديرا، وخليق. ينظر: ابن منظور، (لسان العرب) 3/146- 147، مادة "حري".
(7) الإمام الحافظ، الثبت جابر بن زيد الجوفي البصري من قبيلة اليحمد، كنيته أبو الشعثاء، ولد في بلدة"فرق" التابعة لولاية "نزوى" من عمان، اختلف في سنة ولادته، قيل: في سنة 18ه، وقيل: سنة 21ه، وقيل: سنة 22ه. تعلم أولا في عمان، ثم ارتحل إلى البصرة التي كانت آنذاك مركزا للإشعاع العلمي، تتلمذ على جماعة كبيرة من الصحابة منهم: ابن عباس، وأبو هريرة، وابن عمر، وعائشة وغيرهم، وقال في ذلك: " لقيت سبعين بدريا، فحويت ما عندهم من العلم إلا البحر"، وقد أخذ عنه العلم: أبو عبيدة، وأبو جعفر بن السماك، وضمام بن السائب، وعمرو بن دينار وغيرهم، وقد أثنى عليه الصحابة منهم ابن عباس - رضي الله عنه - فقال: " جابر بن زيد أعلم الناس"، وقال:"عجبا لأهل العراق كيف يسألونني وفيكم جابر ...الخ كلامه - رضي الله تعالى عنه -، توفي سنة 93ه، وهو ما يرجحه المحققون، وقيل: سنة 103ه-، وقيل 104ه-. ينظر: الشيخ الشماخي(السير)1/67-3، والمزي(تهذيب الكمال)4/434- 437، والشيخ سعيد القنوبي (بحث الإمام الربيع) ص 23 - 25.
صفحه ۲۹