فِيهِ خِلافٌ لِلأَئِمَّةِ قَبْلَنَا = شَرَحَ الهِدَايَةَ سَادَةُ السَّادَاتِ
لَكِنَّهُ لَمْ يَأْتِ قَطُّ شَرِيعَةٌ = طَلَبَتْهُ أَوْ جَعَلَتْهُ فِي القُرُبَاتِ
وَالقَائِلُونَ بِحِلِّهِ قَالُوا بِهِ = كَسِوَاهُ مِنْ أَحْوَالِنَا العَادَاتِ
فَمَنِ اصْطَفَاهُ لِدِينِهِ مُتَعَبِّدًا = لِحُضُورِه فَاعْدُدْهُ فِي الحَسَرَاتِ
وَالعَارِفُ المُشْتَاقُ إِنْ هُوَ هَزَّهُ = وَجْدٌ فَقَامَ يَهِيمُ فِي السَّكَرَاتِ
لاَ لَوْمَ يَلحَقُهُ وَيُحْمَدُ حَالُهُ = يَا طِيبَ مَا يَلقَى مِنَ اللَّذَّاتِ
قال بعض الأئمَّة من أهل اليمن: وأمَّا سَماع أهل الوقت فمُحرَّم بلا شكٍّ؛ ففيه من المنكرات واختلاط الرجال بالنساء، وافتِتان العامَّة باللهو ما لا يُحصى، فالواجب على الإمام قصرُهم عنه؛ وسُئِلَ القاضي عن الحال فِي السماع؟ فقال: مَن تعوَّده من الفقهاء وغيرهم فِي كلِّ أسبوعٍ مرارًا وفِي كلِّ شهرٍ مرارًا يفسق وتردُّ شهادته، فقِيل له: فإذا تعوَّده فِي كلِّ شهر مرَّة؟ قال: لا تردُّ شهادته، وهو فسقٌ وليس كلُّ فسق يُوجِب ردَّ الشهادة، قال الأذرعي: وهذا خلاف المفهوم من كَلام الفقهاء، ا. هـ، وهو كما قال.
(تتمَّة) فيها ردعٌ لِمَن يزعُم تصوُّفًا، وسُلوكًا لطريق القوم المبرَّئين عن السفساف واللوم، ثم بعدَ ذلك يمدح الغناء، ويُثنِي على سماعه، ويحض العامَّة والخاصَّة على سَماعه، ليس ذلك إلاَّ لاستِحكام هَواه وغلبة شَهواته فِي دَقائق حُظوظه الذي أرداه وأصمَّه وأعماه، وأي لذَّة أو قُربة أو مدْح فيمَن قال فيه الصادق المصدوق: «إنَّه يُنبِت النِّفاق في القلب، كما يُنبِت الماء البَقل»، «حبُّ الغِناء يُنبِت النِّفاق، كما يُنبِت الماء العشب» (١)،
_________
(١) أخرجه أبو داود (٤٩٢٧)، والبيهقي (١٠/ ٢٢٣)، وقال ابن حجر في "تلخيص الحبير" (٤/ ٣٦٦): حديث: «الغناء يُنبِت النفاق في القلب كما يُنبِت الماء البقل» أبو داود بدون التشبيه، والبيهقي من حديث ابن مسعود مرفوعا، وفيه شيخ لم يسمَّ، ورواه البيهقي أيضًا موقوفا، وفي الباب عن أبي هريرة رواه ابن عدي، وقال ابن طاهر: أصحُّ الأسانيد في ذلك أنَّه من قول إبراهيم.
1 / 65