الأمر متكلفًا، ومتى رسخت الملكة يسمى صاحبها صبورًا١.
وقال أيضًا: التواصي بالحق لا يكون إلا من متعدد فلا نجاة من الخسران إلا بأن يقوم الأفراد من الأمة مهما عظم عددهم بأن يوصي كل واحد منهم من يعرفه من الباقين بأن يطلب الحق ويلتزمه وأن يأخذ بالصبر في جميع شئونه فلو أن شخصًا واحدًا قام بذلك وأوصى غيره، ولكن الباقين لم يقوموا بمثل ما قام به لحل الخسر بالجميع في الدنيا لا محالة، فإن الأمة إذا غفل معظمها عن الحق والدعوة إليه ووهن الصبر في نفوسهم فلا محالة يستولي عليها الباطل وتضعف منها العزائم فيسوء حالها وترمي بنفسها في الهلكة ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ . وأما في الآخرة فالخسار إنما يحيق بمن لم يوص أو من لم يسمع الوصية ولم يقبلها فإن كان الموصي لم يحصل من وسائل التقريب ما يحتاج إليه وكان نفور صاحبه من طريقة نصحه ولو سلك غيرها لقبل منه كان الخسار في الآخرة عليه كذلك وأي نجاة لأمة يسكت أبناؤها على المنكر يفشو بينهم ولا تتحرك نفوسهم إلى التناهي عنه، والمنكر مفسدة الأفراد ومقراض الأمم.
التواصي بالحق والتواصي بالصبر يدخل فيهما الأمران؛ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن من أوصى بالحق ودعا إليه لا يتم له ذلك حتى ينهى عن الباطل ويصد عنه ومن أوصى بالصبر على مشاق الأعمال الصالحة لا يكمل له ذلك حتى يتبين مساوئ الأعمال الخبيثة وعواقب التفريط بترك تلك الصالحات. فقد أودع الله في هذين الركنين ركني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جميع الأعمال والأحوال وقرر لنا أن لا نجاة لقوم من الخسران في الدنيا والآخرة إلا بأن يقوم كل واحد منهم بما يجب عليه من ذلك في القدر الذي يمكنه وعلى الوجه الذي يمكنه.
_________
١ انظر في كتاب "عدة الصابرين" المطبوع بمصر للصالح المصلح ابن قيم الجوزيه ففيه أبسط بيان في موضوع الصبر من جميع وجوهه.
1 / 35