ثم قرأت في كتاب "الدارس للنعيمي" أن الملك الكامل كان أمر أئمة الأموي في عهده أن لا يصلي أحد منهم سوى الإمام الكبير، لما كان يقع من التشويش والخلاف بسبب اجتماعهم في وقت واحد. قال النعيمي -ولنعم ما فعل- قال: وقد فعل هذا في زماننا في صلاة التراويح، اجتمع الناس على قارئ واحد وهو الإمام الكبير في المحراب عند المنبر. ا. هـ.
وبالجملة فالواقف على هذا يعلم أن قد وجد في الأعصر الغابرة من تنبه لمثل هذه البدع من الأمراء فأزالها، وما أيسر الأمر عليهم وما أسهل على من يصحبهم من رؤساء العلم تبليغهم تلك المنكرات لو كانوا فاعلين.
١٤- لزوم الصبر والتواصي به للداعي إلى الحق:
قال أستاذ إمام وحكيم همام١: الصبر في القرآن ذكر سبعين مرة، ولم تذكر فضيلة أخرى فيه بهذا المقدار. وهذا يدل على عظم أمره. وقد جعل التواصي به في سورة العصر مقرونًا بالتواصي بالحق؛ إذ لا بد للداعي إلى الحق منه. والمراد بالصبر في هذه الآيات كلها ملكة الثبات والاحتمال التي تهون على صاحبها كل ما يلاقيه في سبيل تأييد الحق. ونصر الفضيلة فضيلة هي أم الفضائل التي تربي ملكات الخير في النفس، فما من فضيلة إلا وهي محتاجة إليها، وإنما يظهر الصبر في ثبات الإنسان على عمل اختياري يقصد به إثبات حق أو إزالة باطل أو الدعوة إلى عقيدة أو تأييد فضيلة أو إيجاد وسيلة إلى عمل عظيم لأن أمثال هذه الكليات التي تتعلق بالمصالح العامة هي التي تقابل من الناس بالمقاومة والمحادة التي يعوز فيها الصبر ويعز معها الثبات على احتمال المكارة ومصارعة الشداد فالثابت على العمل في مثل هذه الحال هو الصابر والصبار، وإن كان في أول
_________
١ هو مفتي الديار المصرية الشيخ محمد عبده رحمة الله عليه "في تفسيره لصورة العصر".
1 / 34