بمنازعتها حول فدك على ذلك الوجه العنيف الذي لم يعرف أو لم يشأ أن يعرف هيبة للسلطة المهيمنة، أو جلالا للقوة المتصرفة، يعصم الحاكمين من لهيبها المتصاعد، وشررها المتطاير، وبقي الحكم من إ شعاعة نور متألقة تلقي ضوءا عليه، فتظهر للتاريخ حقيقته مجردة عن كل ستار، بل كانت بداية المنازعة ومراحلها نذير ثورة مكتسحة أو ثورة بالفعل عندما اكتملت في شكلها الأخير، ويومها الأخير، تحمل كل ما لهذا المفهوم من مقدمات ونتائج، ولا تتعرض لضعف أو تردد. وما عساه أن يكون هدف السلطة الحاكمة، أو بالأحرى هدف الخليفة رضى عنه الله نفسه في أن يقف مع الحوراء على طرفي الخط، أولم يكن يخطر بباله أن خطته هذه تفتح له بابا في التاريخ في تعدا د أولياته، ثم يذكر بينها خصومة أهل البيت ؟ ! فهل كان راضيا بأوليته هذه مخلصا لها حتى يستبسل في امتناعه، وموقفه السلبي، بل الأيجابي المعاكس ؟ أو أنه كان منقاد للقانون، وملتزما بحرفيته في موقفه هذا كما يقولون، فلم يشأ أن يتعد حدود الله تبارك وتعالى في كثير أو قليل، وإن لموقفه الغريب نجاه الزهراء صلة بموقفه في السقيفة، وأعني بهذه ا لصلة الاتحاد في الغرض، أو اجتماع الغرضين على نقطة واحدة (1). وبالأحرى أن تقوم على داثرة واحدة متسعة
---
(1) ينقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 16: 284 قال: (وسألت علي بن الفارقي مدرس المدرسة الغربية ببغداد، فقلت له: أكانت فاطمة صادقة ؟ قال: نعم، قلت: فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدك وهي عنده صادقة ؟ فتبسم، ثم قال كلاما لطيفا مستحسنا مع ناموسه وحرمته وقلة دعايته، قال: لو أعطاها اليوم فد ك بمجرد دعواها لجاءت إليه غدا، وادعت لزوجها الخلافة، وزحزحته عن مقامه، ولم يكن يمكنه الاعتذار والموافقة بشئ، لأنه يكون قد أسجل على نفسه أنها صادقة فيما تدعي كاثنا ما كان من غير حاجة إلى بينة ولا شهود). قال ابن أبي الحديد: وهذا كلام صحيح.
--- [59]
صفحه ۵۸