وإذن فنحن بين اثنتين: إحداهما أن نعترف بأن الزهراء قد ادعت بإصرار ما ليس لها بحق في عرف القضاء الأسلامي والنظام الشرعي وإن كان ملكها في واقع الأمر، والاخرى أن نلقي التبعة على الخليفة ونقول إنه قد منعها حقها الذي كان يجب عليه أن يعطيها إياه أو يحكم لها بذلك على فرق علمي بين التعبيرين يتضح في بعض الفصول الاتية، فنتزيه الزهراء عن أن تطلب طلبا لا ترضى به حدود الشرع، والارتفاع بالخليفة عن أن يمنعها حقها الذي تسخو به عليها تلك الحدود لا يجتمعان إلا إذا توافق النقيضان. ولنترك هذا إلى مناقشة اخرى، فقد اعتبر الاستاذ حكم الخليفة في مسألة فدك أوضح بينة ودليل على تزكيته وثباته على الحق وعدم تعديه عن حدود الشريعة لأنه لو أعطى فدك لفاطمة لأرضاها بذ لك وأرضى الصحابة برضاها. ولنفترض معه أن حدود القانون الأسلامي هي التي كانت تفرض عليه أن يحكم بأن فدك صدقة، ولكن ماذا كان يمنعه عن أن ينزل للزهراء عن نصيبه ونصيب سائر الصحابة الذين صرح الاستاذ بأنهم يرضون بذلك ؟... أكان هذا محرمات في عرف الدين أيضا ؟ أو أن أمرا ما أوحى إليه بأن لا يفعل ذلك، بل ماذا كان يمنعه عن تسليم فدك للزهراء بعد أن أعطته وعدا قاطعا بأن تصرف حاصلاتها في وجوه الخير والمصالح العامة ؟ وأما ما استسخفه الكاتب من تعليل لحكم الخليفة فسوف نعرف في هذا الفصل ما إذا كان سخيفا حقا. إذا عرفنا أن مرتكزت الناس ليست وحيا من السماء فلا تقبل شكا ولا جدالا، وأن درس مسائل السالفين ليس كفرا، ولا زندقة، ولا تشكيكا في أعلام النبوة كما كانوا يقولون، فلنا أن نتساءل عما بعث الصديقة إلى البدء
--- [58]
صفحه ۵۷