خبريني يا ذكريات أبي العزيز أليس أبو بكر هو الذي لم يأتمنه الوحي على تبليغ (1) آية للمشركين ؟ وانتخب للمهمة عليا، فماذا يكون معنى هذا إن لم يكن معناه أن عليا هو الممثل الطبيعي للأسلام الذي يجب أن تستند إليه كل مهمة لا يتيسر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مباشرتها ؟ إني لأتذكر بوضوح ذلك اليوم العصيب الذي أرجف فيه المرجفون لما استخلف أبي عليا على المدينة وخرج إلى الحرب، فوضعوا لهذا الاستخلاف (2) ما شاؤوا من تفاسير، وكان علي ثابتا كالطود لا تزعزعه مشاغبات المشاغبين، وكنت احاول أن يلتحق بأبي ليحدثه بحديث الناس، وأخيرا لحق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم رجع متهلل الوجه ضاحك الأسارير، تحمله الفرحة إلى قرينته الحبيبة ليزف إليها بشرى لا بمعنى من معاني الدنيا بل بمعنى من معاني السماء. فقص علي كيف استقبله النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورحب به وقال له: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) (3)، وهارون موسى كان شريكا له في الحكم، وإماما لامته، ومعدا لخلافته، فلابد أن يكون هارون محمد صلى الله عليه وآله وسلم وليا للمسلمين وخليفته فيهم من بعده.
---
(1) إشارة إلى قصة تبليغ سورة براءة، وهي في مسند الأمام أحمد بن حنبل 1: 3 طبعة دار صادر - بيروت، وفي الكشاف / الزمخشري 2: 243، قال: (روي أن أبا بكر لما كان ببعض الطريق لتبليغ سورة براءة، هبط جبرائيل عليه السلام فقال: (يا محمد لا يبلغن رسالتك إلا رجل منك، فأرسل عليا...). راجع الرواية أيضا في صحيح الترمذي 5: 594. (2) راجع تفصيل الرواية في تاريخ الطبري 2: 182 - 183، البداية والنهاية / ابن كثير الدمشقي 7: 340. (3) راجع: التاج الجامع للاصول في احاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم / الشيخ منصور علي ناصف 3: 332، قال: رواه الشيخان والترمذي، صحيح مسلم 4: 1873، خصائص النسائي: 48 - 50. (الشهيد)
--- [28]
صفحه ۲۷