الجواب: أما التجاهل عن شيء من معاني توحيد الله بعد\ العلم وبعد قيام الحجة على المكلف به فلا يسع فلا يسع على كل حال لأنه رجوع العلم ولاسيما إذا شابهه شك أو خالطه ارتياب وأنت تدري أنه لا يتم توحيد المسلم لمولاه القدير إلا بنفي الشريك والشبيه عنه سبحانه وتعالى فكيف له أن يجهله أو يتجاهله بعد علمه بنفيه عنه وأما نفي الزمان والمكان عنه تعالى فهو أيضا من شروط التوحيد فلا يسع المكلف أن يجهل هذا النفي لأن الجهل به يفضي إلى تجويز وصفه بالاقتران ببعض الزمان دون بعض وذلك يقتضي عندما بعد وجود أو وجودا بعدم عدم هما محالان على الله فقد كان ولازما وهو مع كل زمان أو أن بالعلم والقدرة والمشيئة والمعنى والإرادة وكذلك لا يجوز توهم اقترانه بمكان دون آخر لأنه يلزم معه التحيز والاختصاص وهو في كل مكان بما ذكرناه من صفاته وهذه الآية ترد إلى مقتضاه كل ما يوهم التشبيه من أية أو حديث هذا ما انتهى إليه الأمر بعد رسوخ الإسلام وتفرق المذاهب وثبوت البدع في بعض الطوائف الإسلامية وأما في بدء الإسلام فما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلا أن يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله ثم قال: فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها فأوجب عصمة الدم والمال وولاية الدين بهذه الجملة فقط وأخبر أمته بأن من قالها دخل الجنة أو وجبت له الجنة فبها ينال قائلها السلامة والعصمة والمحبة والإخاء الديني في الدنيا وبها يستحق السعادة الأبدية في الآخرة ولم يطالب الناس ن ينفوا مكانا ولا زمانا ولا أن يتوغلوا فيما أفاض فيه علماء الكلام وفرعوه من المقالات والأحكام وما كان يوجب على جاهل سائر الصفات أن يتعلمها كما جاء عنه في قصة الجارية التي أراد سيدها أن يعتقها عن كفارة لزمته من أنه قال سلوها أين ربك؟ قالت هو في السماء فقال لسيدها اعتقها فإنها مؤمنة وذلك لأنه يعلم من حالها أن ذلك منا في علمها فلو جهل المكلف هذه الصفات المتعددة ولم تقف عليه حجة العلم بها لم يكلفه الله معرفتها إذا لم يصف الله شيء من أصدادها أو يخرط بقلبه تشبيه الله بشيء من خلقه فلا ينفيه عن الله عزوجل وما كان التعمق في علم الكلام موجودا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الصحابة رضوان الله عليهم ولما كثر الافتراق في الدين وظهرت البدع وصعد دخان الجهمية والمشبهة احتاج المسلمون إلى توسيع علم الكلام لينفوا عن اله ما لا يليق بجلاله أو يستحيل وصفه به في قدسه وكماله ويخلصوا دينيه المتين من تحريف الملحدين وضلالات الغالبين من قرأ كتب التوحيد وفهم ما يجب به عليه في حق مولاه مما يجب له من الصفات وما يستحيل عنه وما يجوز وصفه به فليس له أن يرجع من العلم إلى الجهل ولا من اليقين إلى الشك وعليه تصويب المسلمين فما اعتقدوه ودانوا به ولكن بقي لنا أن نتكلم الآن في حكم الطائفة التي التزمت التفويض في الصفات الموهمة التشبيه ويسمونها طريقة السلف ولا نرى تأويلها وردها إلى الصفات الواجبة لقولهم عند ذكر الوجه والعين واليد ونحوها لله وجه يليق بجلاله وعين تليق بجلاله ويد تليق بجلاله ولسنا نعرف حقيقة الوجه ولا العين ولا اليد فهل هذا الاعتقاد يكفي من اعتقده ويصير به سالما عند\ الله كما قال قومنا إن طريقة السلف وهي التفويض أسلم فالجواب إن الذي فهمته من عقيدة أصحابنا المتقدمين وآثارهم وهي في علم الكلام أنه لابد من تأويل الوجه بما يليق بجلال الله سبحانه وتعالى نحو عظمته وكبريائه والعين في قوله تعالى (تجري بأعيننا) بالعلم والحفظ واليد بالقدرة والنعمة وهكذا في سائر الصفات التي توهم التشبيه لأن وصفه تعالى بظاهرها كفر ولكن عندما ذكرت معتقد المفوضة عند المرحوم إمام المسلمين العلامة محمد بن عبد الله الخليلي - رحمه الله - رأيته يعجبه ولاسيما لمن لا له علم بمعاني التأويل وكأنه يراه كافيا للضعيف على ما فهمته منه وأظنه لم يصرح لي فيه تخويفا من الافتراق لعله أنه لم يسبقه إليه أحد من الأصحاب وأنت إذا تأملت في معاني لا إله إلا الله تجدها جامعة لمهمات التوحيد لأنها نفت كل شريك لهل وأنه لا معبود بحق سواه وكما إنها اقتضت وحدانيته تعالى في الألوهية والعبادة كذلك تضمنت وحدانيته في جميع الصفات الذاتية والفعلية ومن كان كذلك استحالت عليه صفات النقص كالعجز والحدوث والجهل والعمى والصمم والخرس والسهو والنسيان والاضطرار إلى الزمان والمكان والاحتياج إلى الظهير والوزير والمشير والمعين وكذلك العدم وأشباه ذلك فلهذا كانت هي الفاصلة بين الكفر والإسلام فمن أنكرها أو جهلها إلا أن يخل بشيء من حقوقها مما يطول شرحه ولا يتسع المقام لذكره ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل ما قلته وقاله الأنبياء قبلي لا إله إلا الله اللهم اجعلنا من قابليها وقائليها والموفين بحقها حتى نلقاك غير مبدلين ولا مغيرين بفلك ورحمتك يا أرحم الراحمين) فهذا ما اتسع المقام لذكره في الحال فإن رأيت به كفاية وفيه قناعة لما أردته وطلبته فهو لله المنة والحمد وإلا فراجعني لكي أتوسع وأتفرغ للمراجعة والمطالعة وبالله التوفيق.
صفحه ۲۰