اعلام فکر اسلامی
أعلام الفكر الإسلامي في العصر الحديث
ژانرها
1
رائد البعث الأدبي في مصر الحديثة
الشيخ حسن العطار هو حسن بن محمد كتن، المولود بالقاهرة سنة 1180ه/1766م على أرجح الأقوال، وهو يرتد إلى أصول مغربية، وقد اتصل بالفرنسيين اتصالا علميا، كما اتصل بمحمد علي، وولي تحرير «الوقائع العربية» بين (1244-1246ه/1828-1830م)، ومشيخة الأزهر سنة 1246ه وظل فيها حتى توفي سنة 1250ه/1835م.
وكان أبوه عطارا فقيرا له إلمام بالعلم، وكان يستصحبه إلى الدكان ويستخدمه في صغار شئونه، ومن هنا جاءه لقب العطار، وكان يميل إلى التعلم وتأخذه الغيرة عند رؤيته أترابه يترددون إلى المكاتب، فكان يختلف إلى الجامع الأزهر خفية حتى قرأ القرآن في مدة يسيرة، فلما علم أبوه بذلك بارك اتجاهه وشجعه، فجد في التحصيل حتى بلغ من العلوم في زمن قليل مبلغا تميز به، واستحق التصدي للتدريس، لكنه مال إلى الاستكمال، فاشتغل بغرائب الفنون والتقاط فوائدها.
والواقع أن مفتاح شخصية العطار يكمن في حبه الأصيل للعلم، وكلف العطار بالمعرفة والتعلم هو الذي جعله فذا بين أقرانه تلميذا وأستاذا، وهو الذي صاحبه في كافة مراحل حياته وجعله حدثا في عصره.
كان الرجل قارئا نهما، وكان إلى ذلك يحسن الانتفاع بما يقرأ، حتى اشتهر عنه ذلك، فإلى جانب النص السابق الذي يسجل أنه كان ميالا إلى الاستكمال مشتغلا بغرائب الفنون والتقاط فوائدها نجد أحد أصدقائه الشيخ محمد شهاب يقول: «إن الشيخ العطار كان آية في حدة النظر وشدة الذكاء، ولقد كان يزورنا ليلا في بعض الأحيان فيتناول الكتاب الدقيق الخط الذي تتعسر قراءته في وضح النهار فيقرأ فيه على نور السراج وهو في موضعه، وربما استعار مني الكتاب في مجلدين فلا يلبث عنده الأسبوع أو الأسبوعين ويعيده إلي وقد استوفى قراءته وكتب في طرره على كثير من مواضعه.»
وقد اتصل العطار بالفرنسيين إبان الحملة ليعلم أحدهم اللغة العربية، فكان يستفيد منهم الفنون المستعملة في بلادهم فيما يقول علي مبارك، وقد أشار العطار نفسه إلى ذلك في مقامته إن جاز أن نعتبرها مصدرا، وإن غضضنا الطرف عن فكرة أنه ساقها على لسان راو صديق، يقول في موضع منها معددا الكتب التي رآها عند الفرنسيين: «وكلها في العلوم الرياضية والأدبية، وأطلعوني على آلات فلكية وهندسية»، وفي موضع آخر من نفس المقامة يشير إلى حب الفرنسيين للفلسفة وحرصهم على اقتناء كتبها وإعمال الفكرة فيها.
وإلى جانب صلة العطار بالفرنسيين في مكتباتهم ومصانعهم، فقد كان للعطار ولع بقراءة الكتب المترجمة عن اللغات الأوروبية، خاصة في علمي التاريخ والجغرافيا حتى اشتهر عنه ذلك، والعطار نفسه يقول في هذا المنبع من منابع ثقافته: «وقع في زمننا أن جلبت كتب من بلاد الإفرنج، وترجمت باللغة التركية والعربية ، وفيها أعمال كثيرة وأفعال دقيقة اطلعنا على بعضها، وقد تتحول تلك الأعمال بواسطة الأصول الهندسية والعلوم الطبيعية من القوة إلى الفعل، وتكلموا في الصناعات الحربية والآلات النارية ومهدوا فيها قواعد وأصولا حتى صار ذلك علما مستقلا مدونا في الكتب، وفرعوه إلى فروع كثيرة، ومن سمت به همته إلى الاطلاع على غرائب المؤلفات وعجائب المصنفات انكشفت له حقائق كثيرة من دقائق العلوم، وتنزهت فكرته إن كانت سليمة في رياض الفهم.»
وإلى جانب اتصال العطار بالثقافة الغربية عن طريق الاحتكاك المباشر أولا ثم عن طريق الكتب المترجمة، فإن الرجل قد توفرت له وسيلة ثالثة: هي الرحلة؛ إذ ذهب إلى الشام وفلسطين وتركيا، «ولم يزل مشتغلا بالإفادة والاستفادة حتى عاد إلى مصر بعلوم كثيرة، وأقر له علماء مصر بالانفراد.»
وليس واضحا في كل ما كتب عن الشيخ العطار سبب هذه الرحلة، ولكن يبدو أنه اضطر إليها بعد أن ساءت علاقاته بالفرنسيين.
صفحه نامشخص