فقال كسرى: فسروا لي ما قال! فترجم له، فقال: لئن كان يسهر من غير سقم، ولاعشق إنه لسارق! قال أبو عبيدة: كان كثير أشعر أهل الإسلام، وكان يكذب في حُبه وجميل يصدق. وسئل: من أشعر المولدين؟ قال: السيد! وكان السيد مشتهرًا بمدح أهل البيت، وهو الذي يقول " من البسيط ":
إني امرؤٌ حميريٌّ حين تنسبني ... لا من ربيعة آبائي ولا مضر
وقال من قصيدة " من البسيط ":
ثمَّ الولاء الذي أرجو النجاة به ... يوم القيامة للهادي أبي حسنِ
قوله في اللغة والعربية، قال أبو عبيدة: الناقراتُ من السهام المصيبات القرطاس، والقاصرات التي لاتبلغ، والغاضرات التي تخرج عن الهدف يمنة ويسرة، والطالعات التي تخرج من فوق الهدف، والحوابي التي تقرب من القرطاس ولا تصيب، والمقرطسات المصيبات. وقال: أهل العالية يقولون: الحرب خدعة، وهي لغة رسول الله صلى الله عليه ولغة نجد: خدعة؛ ورجل خدعة إذا كان يخدع الناس، ورجل هُزأة إذا كان يهزؤ بالناس؛ قال: والمكاشرة أن يضحك إليه وفي صدره عليه غمر. والطم والرم: الرطب واليابس؛ والغارة الشعواء: الكثيرة. قال: وأهل الحجاز يقولون: قد أخلق الثوب، وبنو تميم يقولون: قد خلَّق الثوب، ويقولون أيضًا بالتخفيف خلق وهو كثير في كلامهم، وإنما يخففون في فعل وفعل ولايخففون في فعل. قال أبو عبيدة: أسماءُ الحلب البرم والفطر والضب والمصر والضف والنكع، فالمصر بإصبعين والضف بالكف كلها والنكع أن يجهدها في الحلب، والنكع والنهز ضرب الضرع باليد عند الحلب لتَدُرَّ، وإنما ذلك في الضأن خاصة، فأما المعز فإنما هو المسح، وأما الكسع فإنما هو ردُّ الدرة وحقن اللبن وهو في النوق خاصة، يُرش الضرع بالماء ويضربه بيده ليرتفع، فيكون أقوى للناقة.
قال أبو ربيعة النحوي: كانت العرب تقول: من لم يكن عقله من أكمل مافيه كان هلاكه بأكمل ما فيه. فحدثت بهذا الحديث الأصمعي فقال: هذا حسن وعندي آخر يشبهه، كانت العرب تقول: من كانت فيه خصلة هي أكمل من عقله فبالحرى أن تكون سبب منيته. فحدثت بهذين الحديثين أبا عبيدة فقال: هذان حسنان وعندي آخر يشبههما، كانت العرب تقول: من لم يكن أغلب خصال الخير عليه عقله كان في أغلب خصال الخير حتفه. فحدثت بهذه الأحاديث أبا دلف فقال: هذا حسنٌ كلُّه وعندي آخر يشبهها، كانت العرب تقول: كلُّ شيءٍ إذا كثُر رخص إلا العقلُ فإنه إذا كثُر غلا.
وقال أبو عبيدة: لم يكن لأبي بكر ولا لعمر ولا لعثمان ولا لعلي قاضٍ ولا عمالُ شُرط ولا لابن الزبير بالمدينة، وكان أوَّل قاض في المدينة في خلافة معاوية في إمارة مروان استقضى عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب حتى عزل معاوية مروان عن المدينة واستعمل سعيد بن العاص، واستقضى سعيد أبا سلمة بن عبد الرحمان.
وقال أبو عبيدة كان رجل من بني هلال يقال له طفيل بن زلال، فكان إذا سمع بقوم عندهم دعوة أتاهم فأكل من طعامهم، فسمي الطفيليُّ طفيليًا به. - وقال وكان الناس لايركبون الحمير حتى تفارقوا أيام المنصور فركبوها، ولبيس في الأرض مركب إلا وهو كلما كان أكبر كان أحسن إلا الحمير فإنها كلما كانت أكبر كان أقبح. وقال آخر لعنها الله! فارهها يتعب وخسيسها يتعب رجليك.
كان أبو عبيدة لما كبُر إذا أراد أن يقوم تمثَّل بقول أبي الطمحان القيني " من الوافر ":
حنتني حانيات الدهر حتى ... كأني خاتلٌ يدنو لصيد
قريبُ الخطو يحسبُ من رآني ... ولستُ مقيدًا أني بقيد
وقال: دخلنا على أبي عبيدة نعوده ونسأله عن سبب علته، فقال: هذا النوشجاني! دخلتُ عليه مسلمًا، فجاءني بموزٍ كأنه أيور المساكين، فأكثرتُ منه فكان سبب علتي. ثمّ دخل أبو العتاهية بعد موت أبي عبيدة دار النوشجاني، فوضع بين يديه قنو موز، فقال: ياهذا! أقتلت أبا عبيدة وتريد أن تقتلني؟ لقد استحليت قتل العلماء، والله لاأذوقه! قال الصولي: مات أبو عبيدة سنة تسع ومائتين، وقيل: عشر، وقيل: إحدى عشرة، وقيل: إثنتي عشرة، وله أربع وتسعين سنة. وقيل للأصمعي: مات أبو عبيدى! فقال: اليوم مات الظرف.
٣١ - ومن أخبار الأصمعي
1 / 45