فإن قيل: إن بين الهدايا وبين ما يسلم إلى سلاطين الجور من الأموال فرقا؛ لأن الهدايا لم يتقدمها تخويف بخلاف ذلك فإنه لم يسلم إلا بعد التخويف.
وأما فعل علي عليه السلام، فلعل المال سلم إلى أهل الجمل بالرضا والاختيار فهو مما أجلب به عليهم أو أن أربابه غير منحصرين، والمحصلون من أهل المذهب يقولون: إنما صار في أيدي الظلمة من الأموال لبيت المال لاستهلاكه بالخلط في القيمي والمختلف ولعدم انحصار أرباب المال في المثلي، وظاهر كلامهم التعميم.
قلت وبالله التوفيق: لا نسلم الفرق؛ لأن هدايا الأمراء كثيرا ما تكون بعد التخويف بلا شك، والأدلة لم تفصل؛ ولأن أرباب المال راضون ومختارون لتسليمه لأجل أن يسكنوا في بيوتهم ويتصرفوا في أملاكهم بدليل أنهم متمكنون من أن لا يفعلوا ذلك إما بالهجرة، أو بالاجتماع على الذب عن أنفسهم وترك التخاذل، وأن لا يتعلقوا بشيء مما يطالبون بالمال من سببه، وقد ترى كثيرا من الناس يكون في بلد غير بلده، ثم يقصر عنه نعمة من ربه، فيرجع إلى بلده مختارا لتسليم المال إليهم من غير تخويف وصل إليه ولا ضرورة ألجته إلى ذلك إلا حب الديار، وإيثار الحياة الدنيا على الآخرة، فلا شك مع ذلك أنهم مجلبون به على أهل الحق وعلى الضعفاء والأرامل والمساكين، ومقوون به لأعضاد الظالمين؛ إذ هو عمود مملكتهم من حيث أنهم لا يتقوون إلا به ويعسكرون به العساكر ويحصلون به العدد، ويحصنون به الحصون إلى غير ذلك من أركان الملك، فإن كان فعل علي عليه السلام لأجل رضا أرباب المال بتسليمه، فهذا منه.
Página 94