واعلم: أنه لا حجة لهم؛ لأنه إن صح واحد من هذه التأويلات بطل احتجاجهم بها، وإن لم يصح منها شيء، فمعنى قوله تعالى: {عليكم أنفسكم}، كفوا أنفسكم والزموها اتفاقا بيننا وبين الخصم، والمكفوف عنه محذوف اتفاقا كذلك ونحن ندعي أنه المعاصي لا بعض الطاعات ولا كلها، وشاهدنا على ذلك جميع ما مر لنا.
وقوله تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون}[النحل:90]، ونحو ذلك مما يدل على الطاعات والمحرمات.
وقوله تعالى: {لا يضركم من ضل إذا اهتديتم}[المائدة:105]، جواب {عليكم أنفسكم}، مجزوم بأن مقدرة بعد ذلك، والحركة على الراء في قوله تعالى: {لا يضركم} لالتقاء الساكنين، وجعلت ضمة للاتباع وذلك شائع في لغة العرب، والمعنى أن ضلال من ضل لا يضر المؤمنين إذا اهتدوا، وكفوا أنفسهم عن المحارم، بخلاف ما لو لم يكن منهم ذلك فإنه يضرهم ضلالهم؛ لأنهم يكونون مشاركين لهم فيه، وأهل قدوتهم حيث قررهم عليه بالسكوت عنهم، وهذا التأويل أولى مما تقدمه؛ لأن النسخ والتخصيص والوقف خلاف الأصل، فلا يثبت واحد منها إلا بدليل.
Página 86