ووجه الاحتجاج بذلك أن الآية مخرجها خاص، ومعناها عام، كقوله تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف...}[الإسراء:23] الآية، فقوله تعالى: {فلا تقل لهما أف} مخرجه خاص، ومعناه عام بدليل أول الآية وهو قوله تعالى: {ألا تعبدوا إلا إياه}، والوجه في ذلك أن الخطاب إذا وجه إلى رئيس القوم فيما لا تقوم قرينة على اختصاصه به يكون عاما في عرف اللغة، ألا ترى أن الملك يقول لأمير الجيش: قاتل من قاتلك؟ ويريد بذلك الأمير والجيش كلهم لكن وجه الخطاب إليه؛ لكونه رئيسهم، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وآله أنه كان إذ أمر رجلا على سريته قال له: ((إذا لقيك عدوك من المشركين فادعهم إلى أحد ثلاث خصال...))، الخبر إلى أن قال: ((فإن أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم))، ولأن ما ذكرته هو السابق إلى الفهم، وذلك من أقوى دليل الحقيقة، ونبينا صلى الله عليه وآله رئيس أمته، وذلك معلوم من الدين ضرورة، فوجه [الخطاب] إليه صلى الله عليه وآله في كثير مما أمرنا به فتأمل، ولقوله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}[الأحزاب:21]، وهذا خبر بمعنى الأمر بإجماع العترة "،وجماهير علماء الأمة، ولأنا قد أمرنا باتباعه في جميع أفعاله وأقواله إلا ما يخصه دليل قال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}[آل عمران:31] الآية، ونحوها، وقد قال تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره}[النور:63]، وقد رخص في ذلك شذوذ من الناس، ولو مع ظن التأثير.
واحتجوا بقوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم}[المائدة:105]، وأسقطوا بذلك التكليف بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد ورخصوا في المداهنة [فكان ذلك عضدا وعونا عظيما لحزب الشيطان لعنهم الله جميعا] فضلوا وأضلوا، ولنا عليهم ما تقدم، وقوله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر...}[آل عمران:104]الآية.
وقوله صلى الله عليه وآله: ((لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيسومونكم سوء العذاب، ثم يدعوا خياركم فلا يستجاب لهم، حتى إذا بلغ الكتاب أجله كان الله تعالى المنتصر لنفسه، ثم يقول: ما منعكم إذ رأيتموني أعصى ألا تغضبوا لي))! رواه الهادي عليه السلام في (الأحكام) وهو في (الشفاء).
وقوله صلى الله عليه وآله: ((لا يحل لعين ترى الله يعصى فتطرف حتى تغير أو تنتقل)) [وقوله صلى الله عليه وآله: ((ما آمن بالله من رأى الله يعصى فيطرف حتى يغيره))].
وقوله صلى الله عليه وآله: ((لتأمرن بالمعروف، ولتنهن عن المنكر، أو لتكونن أشقياء زراعين)) إلى غير ذلك مما يكثر، ويطول حتى تواتر معنى وأفاد العلم الذي لا يدفع بشك ولا شبهة.
Página 84