دليل ذلك: مكة حرسها الله تعالى بالصالحين من عباده، كانت قبل الهجرة دار حرب وفيها رسول الله صلى الله عليه وآله والمسلمون يظهرون دينهم ولا يكتمونه، ويتهددون الكفار في بعض الأحوال بالقول والفعل، كما فعل حمزة -أسد الله- في رأس الكفر أبي جهل -لعنه الله- شجه بالقوس في نادي بني مخزوم، ولم يقدروا أن يغيروا عليه، وكذلك سعد بن أبي وقاص ضرب مشركا فيها بلحي جمل ميت فشجه شجة، وهو أول من أسال دم الكفار في دعوة النبي صلى الله عليه وآله، فلم يخرجها ذلك عن أن تكون دار حرب، وكذلك بعد هجرة النبي صلى الله عليه وآله، كان يسلم الجماعة فيها، ويظهرون إسلامهم، فلم تخرج بذلك عن حكم أهل الحرب، وهذا هو قول القاسمية والناصرية لا خلاف بينهم فيه، وهو قول محققي المعتزلة ومحصلي العدلية فيما سبق من الأعصار، حكى معنى ذلك محمد بن أسعد المرادي -رحمه الله تعالى-، وبعض العلماء، وخالف في ذلك جماعة من العلماء، فالمؤيد بالله عليه السلام في قديم قوليه، والشيخ الفضل بن شروين، ومحمد بن المسيب توقفوا في تكفير المجبرة والمشبهة، والحجة عليهم ما تقدم على أن المتوقف شاك، والشاك لا مذهب له فيناظر عليه.
Página 75