وروي عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ((إن الله عز وجل أنزل الداء والدواء فتداووا، ولا تداووا بالحرام)) فثبت أن الشفاء بالطب من الله، وأنه من أفعاله سبحانه المتولدة؛ لأن أفعاله سبحانه وتعالى على قسمين: مبتدأ ومتولد، من حيث أن قدرة الله شاملة، وهو فاعل مختار، فلا يستلزم ذلك الحاجة إلى خلق السبب، وإنما يفعله سبحانه لحكمة يعلمها، وليبتلي به الناس ليعلم من يخافه بالغيب، فيقضي بالحق فيه ومن لا يخافه فيثبت طبعا، أو يقيس عليه الجن فيعبدهم بالتزام تلك الشرائع المبتدعة قال تعالى: {بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون}[سبأ:41]، ومن ذلك اعتقاد أن للمشائخ والقبور تأثيرا في حصول الولد، ونزول المطر، وإماتة الأحياء وإحياء الموتى ونحو ذلك، من قبل أنفسها؛ لأنه رد لقوله تعالى: {هل من خالق غير الله}[فاطر:3]، وقوله تعالى: {أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء}[النمل:60] الآية ونحوها، وقوله تعالى: {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا...}[الملك:2] الآية، ولا يرد القتل؛ لأنه فعل القاتل ضرورة، ولقوله تعالى: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم...}[النساء:93] الآية، ونحوها، ومن ذلك الذبح على القبور، والمشاهد والمساجد، واعتقاد كونه قربة؛ لأن الله لم يشرعه، وعدم كونه مشروعا معلوم من الدين ضرورة، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ((لا تتخذوا قبري وثنا)) أي لا تجعلوا له ما يجعل للأوثان، ومنه الذبح [قال تعالى: {وما ذبح على النصب}[المائدة:3]، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله ((أنه نهى عن الذبح] على المقابر))، وقال: ((إنه فعال جاهلي)).
ومن ذلك اعتقاد صدق الكهانة والإيمان بالسحر؛ لأن اعتقاد صدق الكهانة رد لقوله تعالى: {قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله}[النمل:65]، ولأن الله سبحانه يقول في السحر: {ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر}[البقرة:102]، ومن السحر التقذية، بدليل أن المقذي لا يستطيع أن يخرج بتقذيته ما كان مشاهدا في مكان ضيق أو بعيد، ومن أراد أن يتحقق صحة ما قلته فليدفن إبرة ولا يخبره بها؛ فإنه لا يستطيع أن يخرجها، أو يسرط برة من بر ولا يخبره بها ثم يقول: سرطت شيئا لا تدري ما هو أخرجه لي! فإنه يسحر أعين الحاضرين بغيرها من نحو حصاة أو ذباب! وقد امتحنت أنا مقذيا كذلك، أخفيت له في أذني حصاة ولم أخبره بها، فأخرج في عطيته كقطعة من شعرة من عرق حمار، وقال: أدخلت أذنك مسواكا وهذه شعرة منه قد تغير لونها لطول المدة، فعلمت كذبه وتمويهه، وأخبرته أنه ساحر.
Página 72