وفي الحديث: "النَّدم توبة" (١) فلابدّ من ندم وإقلاع وعزم عَلَى ترك المعاودة بالكلية، أما من عزم عَلَى المعاودة ولو بعد حين فليس بتائب.
قيل لابن المبارك: من مدمن الخمر؟ قال: الَّذِي يشربه اليوم ثم لا يشربه إِلَى ثلاثين سنة، ومن رَأْيُه إذا وجده أن يشربه.
وكثير من العصاة يترك الشرب في الأيام الفاضلة كرمضان فقط، ومن نيته المعاودة بعد انقضائه، وهذا مدمن ليس بتائب، لا سيما إِنَّ عدَّ الأيام، وطال عليه الشهر حتى يعود، ولهذا إذا قرب الشهر جدّ في الشرب ليتودَّع منه، ثم يعاود الشرب عند انقضائه، وأنشد بعضهم:
إذا العشرون من شعبان ولّت ... فواصل شرب ليلك بالنهار
ولا تشرب بأقداح صغار ... فإن الوقت ضاق عن الصّغار
وأقبح من ذلك أخذ بعض الجهلة هذا الكلام من باب الإشارات، ودعواهم أن له شرًّا لا يفهمه إلا الخواص، وأن فيه إشارة إِلَى مبادرة العمر بالطاعة عند اقتراب الأجل.
وأخذ هذا من الكلام قبيح جدًّا، وهو كأخذ الآخر السرّ من قول قائلهم:
رقّ الزجاج ورقت الحمر ... وتشاكلا فتشابه الأمر
فكأنما خمر ولا قدح ... وكأنما قدح ولا خمر
فإن هذا ظاهره إِنَّمَا يؤخذ منه الفسق، ولكن يدَّعي بعض الجهلة أن فيه سرًّا أراده القائل، وهذا السرّ أقبح من ظاهره، حيث كان ظاهره الفسق، وهذا الباطن المشار إِلَيْهِ وهو أن الخالق والمخلوق اتحدا حتى صارا شيئًا واحدًا، لا يميّز العارف بينهما وهو السرّ المشار إِلَيْهِ عندهم.
_________
(١) أخرجه أحمد (١/ ٤٢٣، ٤٣٣)، وابن ماجه (٤٢٥٢) من حديث ابن مسعود.
1 / 283