لأنّ النّبيذ يذلّ العزيز ... ويكسو الوجوه النضارى القباحا
فالواجب المبادرة إِلَى التوبة من جميع المعاصي، فربما فاجأت المنية بغتة عَلَى غير توبة، فيصبح المرء في زمرة الموتى نادمًا مع الخاسرين، وقد تقدم أن الوعيد مشروط بعدم التوبة، وفي حديث أبي هريرة: «لَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ شُرْبِهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، والتوبة معروضة بعد ذلك» (١).
كان رجل بنصيبين (٢) يكنّى: أبا عمرو وكان مدمن خمر، فشرب ليلة ثم نام، فاستيقظ مرعوبًا نصف الليل، فَقَالَ: أتاني آت في منامي فَقَالَ لي:
جدّ بك الأمر أبا عمرو ... وأنت معكوف عَلَى الخمر
تشرب صهباء صراحية (٣) ... سال بك السيل ولا تدري
ثم نام فلما كان وقت لفجر مات فجأة.
وسكر آخر فنام عن عشاء الآخرة، وكانت امرأته ابنة عمه، وكانت ديّنة، فجعلت توقظه للصلاة، فلما ألحت عليه حلف بطلاقها البتّة أن لا يصلي ثلاثًا، فلما أصبح كَبُرَ عليه فراق ابنة عمّه، فبقي يرمين لم يصلّ لأجل يمينه، فعرضت له علّة فمات. وفي هذا أنشد بعضهم:
أتأمن أيها السكران جهلًا ... بأن تفجأك في السكر المنيّة
فتضحى عبرة للناس طرًّا ... وتلقى الله من شرّ البريّة
قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (٤).
_________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) هي مدينة عامرة من بلاد الجزيرة عَلَى جادة القوافل من الموصل إِلَى الشام "معجم البلدان" (٥/ ٢٣٣).
(٣) الصهباء: الخمر، سميت بذلك للونها. وصراحية: أي خالصة. "لسان العرب" (١/ ٥٣٢، ٢/ ٥١٠).
(٤) الحجرات: ١١.
1 / 282