فهذا الشعر ونحوه إما أن يؤخذ منه الفسق أو الكفر، وإنما تؤخذ الأسرار الرّبانية من كلام الله وكلام رسوله، أو كلام السلف الصالح أو الأشعار الحِكمية التي فيها الحكمة، والمقصود هنا ذكر التوبة:
يا نداميّ صَحَا القلب صِحَا ... فاطردا عني الصبا والمرحا
هزم العقل جنودًا للهوى ... سادتي لا تعجبوا أن صلحا
زجر الوعظ فؤادي فارعوى ... وأفاق القلب مني وصحا
بادروا التوبة من قبل الردى ... فمناديه ينادينا الوحا (١)
يا هذا، اعرف قدر لطفنا بك، وحفظنا لك، إِنَّمَا نهينا عن المعاصي صيانة لك، وغيرة عليك، لا لحاجتنا إِلَى امتناعك ولا بخلًا بها عليك.
لما عرفتنا بالعقل حرّمنا عليك الخمر لا تستره، شيء به عرفتنا يحسن بك أن تزيله أو تغطيه.
لا كان كلما يقطع المعرفة بيننا وبينك، لا كان كلما يحجب بيننا وبينك.
يا شارب الخمر لا تغفل، يكفيك سكر جهلك! لا تجمع بين خطيئتين.
يا من باشر بعض القاذورات، اغتسل منها بالإنابة وقد زال الدّرن.
طهّروا درن القلوب بدمع العيون فما ينفعها غيرها.
يا من قد درن قلبه بوسخ الذنوب، لو اغتسلت بماء الإنابة لطهرت!
لو شربت من شراب التوبة لوجدته شرابًا طهورًا.
يا أوساخ الذنوب، يا أدران العيون ﴿هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾ (٢).
مجالس الذكر للمذنبين، شراب المواعظ: شراب المحبّين درياق (٣) المذنبين، ﴿قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ﴾ (٤).
_________
(١) الوحا: الإسراع. "لسان العرب" (١٥/ ٣٨٢).
(٢) سورة ص: ٤٢.
(٣) الدرياق: الترياق، معرب. وهو دواء السموم. "اللسان" مادة: (دوق)، و(ترق).
(٤) البقرة: ٦٠.
1 / 284