وأما كونه مدركا ومريدا وكارها فهي متأخرة عن سائر صفاته تعالى؛ لأنها متحددة، وتلك حاصلة فيما لم يزل، وهذه الثلاث المحددة أيضا بترتبيب بعضها على بعض، وكونه مريدا ومدركا متقدمان على كونه كارها؛ لأنه لا يكره إلا القبائح من أفعال العباد، وذلك لا يكون إلا بعد وجودهم وترتبت الثبوت في هذه الثلاث، وتقدم سائر صفات القديم عليها تقدم زماني وكذلك تقدم بعض الثلاث على بعض، وأما الصفات الأولى فهي حاصلة في الأول على سواء، ولا .... بعضها على بعض في الزمان، وإنما هو ترتيب في الدهر من حيث أن المقتضى والشرط أصل في مقتضاه وشروطه، وله خط التقدم في الدهر، وإن قارن في الزمان فهذا ترتيب الثبوت.
وأما ترتيب العلم فعقده أن يقول كل مسألة كانت دليلا على مسألة أخرى أو دليلا على ما يزل عليها، فإنها متقدمة عليها في العلم هذا تقدم الكلام في المسألة الأولى، وهو الكلام في إثبات الصانع؛ لأنا نعلم الصفات إلا بعد أن نعلم الذات، وتقدم كونه قادرا على كونه عالما لوجهين:
أحدهما: يقتضي الحسنة.
والثاني: يقتضي الوجوب.
أما الذي يقتضي الحسن فهو: أن الذي دل على إثبات الصانع دل على كونه قادرا من دون زيادة، وهو لا يدل على كونه عالما إلا بزيادة الأحكام، ومن حسن الترتيب أن يتبع أحد المسلمين الآخر إذا كان جليلهما واحدا.
وأما الوجه الثاني: الذي يقتضي الوجوب فلأنا نستدل على كونه عالما بقولنا: إنه صح منه العقل المحكم، ومن صح منه العقل المحكم فهو عالم؛ لأنا وجدنا في الشاهد قادرين:
أحدهما: يصح من الفعل المحكم.
Page 137