257

Taysir Tafsir

تيسير التفسير

Genres

فمن ينصرنا من بأس الله

[غافر: 29]، أو ذلك بيان للذين

يحرفون الكلم عن مواضعه

حال أو نعت لمبتدأ محذوف، خبره من الذين، أى من الذين هادوا قوم يحرفون الكلم عن مواضعه أى يميلونه عن مواضعه، كتحويل ضفته صلى الله عليه وسلم، والحكم فى التوراة إلى أسود وطويل جدا، أو قصير جدا، وإلى جعد الشعر ونحو ذلك عن عكسه، وإلى الجلد عن الرجم، والتفسير بغير المراد، إلقاء الشبه والمحو، وقوله فى المائدة بعد مواضعه أدل مما هنا على ثبوت مقدار الحكم واشتهارها { ويقولون سمعنا } قولك { وعصينا } أمرك ونهيك { واسمع } قولنا أو كلامنا { غير مسمع } حال كونك مدعوا عليك بلا سمعت، لموت أو صمم، وفيه إن الإنشاء لا يفاد بالمفرد، وهوغير مسمع إذ ليس جملة اللهم إلا بتوسط السمع، أو حال كونك غير مسمع، دعوا بلا سمعت، فتوهموا أو تجاهلوا أن دعوتهم مستجابة، أو حال كونك غير مسمع كلاما تدعو إليه، فإنا لا نجيبك إليه أو حال كونك غير مسمع لكراهته، أو حال كونك غير مسمع ما تكره، وهذا منافقة، كقولهم، راعنا أو ذلك من التوجيه البديعى، وهو جعل الكلام ذا وجهين كقوله:

خاط لى عمرو قباء

ليت عينيه سواء

احتمل أن تبصر العين العوراء وأن تعمى الباصرة لأنه أعور { وراعنا } اعتبرنا نكلمك ونفهم كلامك ومر فى البقرة،أو كلمة عبرانية أو سريانية بمعنى الحمق، أو أنت راعى ما شيتنا فحذفوا الياء، وذلك شتم { ليا } صرفا، الأصل لويا، قلبت الواو وأدغمت فى الياء { بألسنتهم } إلى الحق ظاهرا عن الباطل سرا { وطعنا فى الدين } أى لأجل اللى والطعن، أو حال كونهم لاوين وطاعنين، أو ذوى لى وطعن، أو حال كونهم ليا وطعنا مبالغة { ولو أنهم قالوا سمعنا } كلامك { وأطعنا } أمرك ونهيك { واسمع } كلامنا { وانظرنا } كي نفهم { لكان } قولهم هذا { خيرا لهم } نفعا، أو أحسن، أى حسنا، وقولهم السابق قبيح، { وأقوم } أعدل أى عدلا، أو خيرا وأقوم باقيان على التفضيل باعتبار اعتقادهم { ولكن لعنهم الله بكفرهم } أبعدهم عن الهدى بكفرهم السابق فالذنب يجلب ذنبا وعقابا { فلا يؤمنون إلا قليلا } زمانا قليلا، ويرجعون للكفر عنادا، وذلك فى قلوبهم، وفيما بينهم، وفى السر أو إلا إيمانا قليلا، وهو إيمان ببعض الرسل وبعض آيات القرآن، ولا ينفعهم، أو أريد بالقلة العدم أى إلا إيمانا معدوما، فهومن أبلغ نفى، كما تقول قلما فعل زيد كذا، تريد أنه لا يفعله ألبتة أو النصب على الاستثناء من الواو، أى قليلا منهم آمنوا أو سيؤمنون.

[4.47-48]

{ يآ أيها الذين أوتوا الكتاب ءامنوا بما نزلنا } أى القرآن { مصدقا لما معكم } من التوراة والإنجيل { من قبل أن نطمس } فى الدنيا والآخرة { وجوها } نمحو ما فيها من حواجب وعيون وأنوف وأفواه، فتكون كالقفا لا أنف ولا فم ولا عين ولا حاجب فقوله { فنردها على أدبارهآ } بيان للإجمال، قيل أى نصيرها على صورة الأقفاء، أو المعنى نجعل الوجوه مكان الأقفاء، والأقفاء مكان الوجوه، وفى كل من ذلك تشويه عظيم يوجب الغم الشديد والأول أشد، أو المعنى من قبل أن نزيل عزتها ووجاهتها ونكسوها الذل والإدبار، أو من قبل أن نقبحها، أو من قبل أن نردها إلى حيث كانت، وهو أريحا وأذرعات من الشام، إذ كانوا فيها قديما، فجاءوا إلى الحجاز وقد لحقهم ذلك؛ إذ أجلى النضير إلى الشام فطمس آثارهم من الحجاز وبلاد العرب، أو من قبل أن نغير أحوالهم بالطبع على قلوبهم إلى الضلال، أو من قبل أن نذل رؤساءهم، ولما دخل غعمر بن الخطاب رضى الله عنه الشام فى خلافته قرأ قارىء هذه الآية ليلا، فسمعها كعب الأحبار، وقد جاء من اليمن، يريد بيت المقدس، فبادر إلى عمر صبحا، وهو فى حمص، سافر إليها من المدينة، فأسلم أو جدد إسلاما له سابقا ضعيفا، وقال بت خائفا أن أطمس وأمسخ، كما قال الله جل وعلا، وقد قيل رجع إلى أهله باليمن فجاء بهم وأسلموا قبل وصول بيت المقدس { أو نلعنهم } يجزى أصحاب الوجوه المدلول عليهم بالوجوه، أو نخزى الوجوه أى الرؤساء، أو نخزى الذين أوتوا الكتاب، التفاتا من الخطاب إلى الغيبة، وذلك الخزى بالمسخ قردة وخنازير { كما لعنآ أصحاب السبت } بالمسخ، وكذلك روى أنه لما نزلت وسمعها عبد الله بن سلام قادما من الشام بادر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يأتى أهله فى المدينة، وقال يا رسول الله: ما كنت أرى أن أصل اليك حتى يتحول وجهي في قفاي، أو نلعنهم على لسانك كما لعنا أصحاب السبت على لسان داود عليه السلام، وهو أظهر لقوله تعالى: { قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة } الآية، فجمع بين اللعن والمسخ، فتبين أنه غير المسخ، وعلى التفسير بالمسخ رفع الله المسخ بإتيان البعض كما يرد الله العذاب عن قوم لرجل فيهم أو لأطفال المخاض، أو المراد أنهم استحقوا الطمس لا وعيد به فلم يتخلف وعيد، وقيل سيكون، وهو بعيد، لأن الذين باشروا الكفر على عهده صلى الله عليه وسلم أحق به، وأجيب بأن عادة الله الانتقام من أخلاف اليهود بما فعلوا من اتباع أسلافهم، قال المبرد: لا بد من طمس ومسخ فى اليهود قبل قيام الساعة { وكان امر الله } قضاؤه كله { مفعولا } لا يبطل ولا يتبدل ولا يتغير، جعل الوليد لعبده وحشي بن حرب أن يعتقه إن قتل حمزة يوم أحد فقتله فلم يعتقه، فكتب من مكة هو وأصحابه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خدعنا ومنعنا من الإسلام ما تقرؤه حين كنت بمكة،

والذين لا يدعون مع الله إلها آخر

Unknown page