أن رجلا بقارا أراد أن يثبت للناس ويعبر لهم عن مدى العدالة التي انتهجها الإمام (ع) والتي لا يفرق فيها بين رئيس ومرؤوس، وغني وفقير، وقوي وضعيف، فقد دخل يوما من الأيام على المؤيد بالله (ع)، والملك (على بن سرحان) جالس عن يساره، وسلم الرجل فرد عليه الإمام السلام. ثم قال الرجل: أيها الإمام لي دعوى على علي بن سرحان. فقام علي بن سرحان من مجلسه بإزاء المؤيد بالله (ع) حتى قارن خصمه فوقف بجنبه، فادعى الرجل أن علي بن سرحان غصب عليه بقرة، فسأله المؤيد بالله (ع) عن صفة البقرة وقيمتها فوصف وبين. فأنكر علي بن سرحان، فلم يكن له بينة فحلف، فقام المدعي وقال ما كان غرضي بهذه الدعوى إلا ليتحقق الناس أنا في زمن إمام هدى يساوي بين الملك والبقار (1).
وأراد (ع) أن يختبر عدله مع رعيته ومقدار ما يتمتعون به من حرية وعزة وكرامة، فقد أراد في أحد الأيام شراء بعض سمكة من بائعي السمك، فأرسل خادمه إلى أحد بائعي السمك. فقال السماك: لا أقطعه اليوم. فلما جاء الخادم أعلمه ما قال السماك فقال (ع): إذهب إليه فقل: سيدي يأمرك بقطعه حتما، فذهب الخادم فقال السماك: لا أفعل. فرجع الخادم إلى الإمام بدون شيء. فحمد الله وأثنى عليه، وقال: الآن علمت العدل لأن ضعفاء الرعية لا تخاف سطوتي (2).
حكايات من حياته (ع):
كانت حياته (ع) كلها كفاحا وجهادا، وعلم وتعليم، وورعا وتقوى، وزهدا وعبادة، وتفكرا وخشوعا، وتفقدا لأحوال الرعية، وكان (ع) غزير الدمعة يتلو القرآن بصوت شجي حزين، وكان دائم التفكير في صلاح الأمة، يتأوه كثيرا، ويتوجع لضلالهم وجهلهم بطريق مصالحهم، كثير العبادة، يمشي لحاجته من السوق، ويحملها بنفسه، ويمنع أن يتولى ذلك غيره، كثير الصفح والعفو، يحب أهل الصلاح ويتقرب إليهم.
Page 164