وقال أيضا يمدحه.
أنشدها إياه في انسلاخ شهر رمضان، سنة ست وأربعين وثلاث مائة.
مَنِ الجَآذِرُ في زِيَّ الأَعَارِيْبِ ... حُمْرُ الحُلَي والمَطَايا والجَلاَبِيْبِ
إِنْ كُنْتَ تَسْأَلُ شَكًَّا في مَعَارِفِها ... فَمَنْ بَلاكَ بِتْسَهِيْدٍ وتَعْذِيبِ؟!
الجآذر: صغار البقر الوحشية، والأعاريب: جمع الأعراب، وهم سكان البادية من العرب، والحلي: جمع حلية، وأكثر ما تستعمل في حلى السيوف، وربما استعمل في حلى النساء، لتقارب الأمرين، والمطايا: الجمال المتخذة للركوب، والجلابيب: ثياب دون الأردية، تتخذ لتغطية الرؤوس والصدر، واحدها: جلباب، والتسهيد: عدم النوم.
فيقول كالمستفخم عن النساء اللواتي يشب بهن: من النساء اللواتي هن الجآذر في حسنهن، وكحل أعينهن، المشتملات بزي الأعراب؟ فهن حمر الحلي بتحليهن بالذهب، حمر المطايا لتقدم ما ركبنه في الكرم. وحمر المطايا: كرائمها؛ ولذلك يقول القائل من العرب فيما يرفع به: ما وددت أن لي بكذا وكذا حمر النعم. وحمر الجلابيب: حمر ما يتحلين به، وحمر الجلابيب من أحسن الملابس، وآتق المناظر، وقد دل على ذلك بشار بقوله:
وخذي مربِسَ زِينةٍ ... ومُصَبَّغاتٍ فَهْيَ أَشْهَرْ
وإذا خَرَجْتِ تَقَنَّعِي ... بِالحُسْنِ إِنْ الحُسْنَ أَحْمَرْ
فأشار أبو الطيب بما ذَكره إلى موضع من وصفه من الرفعة، وتمكنهم في الجدة والنعمة.
ثم قال يخاطب نفسه: إن كنت تسأل؛ اعترضك الشك في معرفة هؤلاء النسوة، وأشكلت عليك أمورهن عند الرحلة، فمن بلاك بالبحث عما يفيدك التسهيد والأرق، ويقصر عليك التعذيب والقلق؟!
لا تَجْزِني بِضَنًى بِي بَعْدَها بَقَرٌ ... تَحْزِي دُموعَي مَسْكوبًا يِمَسكوبِ