============================================================
المرصد الرابع - في إثبات العلوم الضرورية الضار قبيح) قالوا: يحكم بذلك بديهة العقل (وأنكره الأشاعرة والحكماء) واتفقوا على أنها ليست من القضايا الأولية بل من المشهورات التي قد تكون كاذبة وقد تكون صادقة (الثانية لهم) ايضا فإنهم قالوا: (العبد موجد) بالاستقلال (لافعاله) االاختيارية متمكن من فعلها وتركها بيده زمام الاختيار فيها، وادعى بعضهم أن هذا الحكم بديهي (وهما) أي الأشاعرة والحكماء (منعاه) أي كذبا هذا الحكم (وعارضاه) اي قابلا ادعاء الضرورة فيه (بضرورة أخرى في أنه لا بد له) اي للفعل الصادر عن العبد (من مرجح) يرجح أحد طرفيه الجائزين على الآخر، فإن حركته يمنة ويسرة إذا كانتا جائزتين منه على سواه، فلا بد بالضرورة في صدور إحداهما عنه من مرجح يرجحها على الأخرى (فهو) أي فذلك المرجح (من خارج) أي لا يكون صادرا عن العبد (وإلا تسلسل) ما صدر عنه من أفعاله إلى ما لا يتناهى، بل ذلك والذم فإنهما بهذا المعنى هو المتثازع فيه بين القريقين لا بمعتى كونهما صفة كمال أو صفة نقصان، أو كونهما ملائما للغرض وغير ملائم له الحاكم بهما العقل إما بديهة أو نظرا.
قوله: (وادعى بعضهم إلخ) وهو أبو الحسين البصري سواء كان ذلك مذهبه في الواقع أر قال به تلبيسا على أصحابه وتفصيله في الموقف الخامس قوله: (أي كذبا) أي المنع وكذا المعارضة هاهنا بالمعنى اللغوي لا الاصطلاحي، إذ لا دليل هاهنا.
قوله: (بل من المشهورات التي قد تكون كاذبة) لأن المراد بالحسن في محل النزاع كونه مناطا للثواب، وبالقبح كونه مناطا للعقاب لا معنى الملاءمة والمنافرة، والعقل لا مدخل له في الثواب والعقاب وسيجيء التفصيل في الإلهيات.
قوله: (واذعى بعضهم أن هذا الحكم بديهي) فيه بحث أما اولأ فلأن مدعي البديهة هو آبر الحسين اليصري وهو لا يقول: بكون العبد موجدا لافعاله على سبيل الاستقلال فضلا عن ادعاء البديهة في ذلك، بل القائل بذلك جمهور المعتزلة وهم لا يدعون البديهة فيه كل ذلك مذكور في الموقف الخامس، وأما ثانيا فلأن الفلاسفة يوافقون أبا الحسين في مذهبه كما صرح به في الإلهيات فكيف عدوا هاهنا مخالفين له؟ والحق آن ما ذكره هاهنا مبني على ظاهر ما تقل عن أبي الحسين من ادعاء الضرورة في استقلال العبد تلبيسأ للأمر على سائر المعتزلة، كيلا يظنوا رجوع عن مذهبهم، كما اشار إليه في الإلهيات أو ان مدعى البداهة غيره وإن لم يذكر في هذا الكتاب والله اعلم.
قوله: (أي قابلا) إشارة إلى أن المعارضة ليست على ظاهرها لأنها إقامة الدليل على خلاف ما اقام عليه الخصم ومدعي الخصم أن الحكم ضروري، وبهذا المعنى قوله: فيما بعد ويعارضونهم فلا تغفل
Page 185