ثم أمسك بكتفيها المستديرتين المصقولتين فارتجفتا للمسته وردها في رفق إلى مجلسها الأول وهي مذعنة طائعة وقال: «تعالي! ماذا يحزنك؟ أهو أني أعلم كل شيء؟ أم تحسبين خطيئتك مع سارودين من الفظاعة بحيث تخافين أن تقري بها؟ الحق أني لا أفهمك يا ليدا، إذا كان سارودين لا يريد أن يتزوجك، حسن ... هذا شيء يجب أن تحمدي الله عليه. لقد عرفت الآن - ولا بد أنك كنت تعرفين من قبل - أي حقير دنيء هو على الرغم من قسامته ومن صلاحه لمواقف العشق، إذ كل ما له هو الوسامة، وأحسبك الآن أصبت منها كفايتك.»
فقالت ولسانها يتعثر: «لقد أصاب هو كفايته مني ... لا أنا منه! آه! ربما كنت قد أصبت كفايتي! آه! يا إلهي ماذا أصنع؟»
فقال سانين: «والآن أنت حبلى ...»
فأغمضت ليدا عينيها وأطرقت. فمضى سانين في كلامه مترفقا: «لا شك أن هذا أمر سيئ، فالوضع - أولا- عمل ثقيل مؤلم والناس - ثانيا وهو المهم - قد يضطهدونك. على أنك يا ليدوتشكا لم تسيئي إلى أحد، ولو أنك جئت إلى هذه الدنيا بعشرة أطفال لما أضر هذا بأحد سواك.»
وأمسك سانين ليفكر وطوى ذراعيه على صدره وجعل يعض أطراف شاربه وقال: «وفي وسعي أن أشير عليك بما ينبغي لك أن تصنعي ولكنك أضعف وأسخف من أن تعملي برأيي. إنك أجبن من ذلك! ومهما يكن من الأمر فالمسألة لا تستحق أن تنتحري من جرائها. انظري إلى الشمس المشرقة وإلى النهر المنحدر الساكن، واذكري أنك إذا مت عرف كل إنسان ماذا أماتك، فأي خير لك في هذا؟ إنك لا تريدين الموت من أجل أنك حبلى، بل من أجل أنك تخافين ما سيقوله الناس. فشر ما في مصيبتك ليس في المصيبة نفسها بل في أنك تضعينها بينك وبين حياتك التي ترين أنها يجب أن تنتهي. ولكن هذا في الحقيقة لن يغير من الحياة شيئا. إنك لا تخافين البعداء بل القريبين منك، ولا سيما من يحبونك ويعدون بذلك نفسك إحدى الكبر، لأن البذل كان في غابة أو مرج لا في سرير شرعي. وهؤلاء لن يتلكئوا في عقابك على زلتك، فأي خير في هؤلاء لك؟ إنهم قوم أغبياء غلاظ القلوب فارغو الرءوس. ولماذا تموتين من أجل قوم أغبياء غلاظ القلوب فارغي الرءوس؟»
فسألته بصوت أجش: «ولكن ماذا ينبغي أن أصنع؟ خبرني ماذا ... ماذا؟»
فقال سانين: «أمامك طريقان: أن تتخلصي من هذا الطفل الذي لا يريده أحد والذي لا يفيدك ميلاده إلا المتاعب كما لا بد أن تعرفي.»
فأعربت عينا ليدا عن الاستفظاع، وعاد سانين إلى الكلام فقال: «من الظلم الشديد أن يقتل المرء مخلوقا يقدر لذة الحياة ويعرف هول الموت. ولكن جرثومة ... كتلة جامدة من اللحم والدم ...»
فوجدت ليدا إحساسا عجيبا وشعرت في أول الأمر بالعار حتى لكأنها نضت عنها ثيابها جميعا وراحت أصابع وحشية تجسها وتلمسها. ولم تجرؤ أن تنظر إلى أخيها وخشيت أن يميتهما العار كليهما. ولكن عيني سانين الزرقاوين كانتا ساكنتين وكان صوته متزنا هادئا كأنما يحدثهما عن أمور مألوفة، وهذه القوة الهادئة وعمق الصواب هما اللذان أزالا خجل ليدا وخوفها، غير أنها ما لبثت أن غلبها اليأس، فأمسكت بجبينها وجعلت أطراف ثوبها الرقيق تخفق كجناحي الطائر الفزع وقالت: «لا أستطيع كلا. لا أستطيع! أحسبك مصيبا ولكن لا أستطيع! إن هذا فظيع!»
فقال سانين وهو يركع وينحي كفيها في رفق عن وجهها: «حسن حسن، إذا لم تستطيعي هذا فلا بد لنا أن نحتال على إخفائه على نحو ما، وسأرى لي رأيا في حمل سارودين على الخروج من البلدة: وأنت - حسن - ستتزوجين نوفيكوف وتسعدين. إني أعرف أنك كنت حقيقة أن تقبلي نوفيكوف لولا أن لاقيت هذا الضابط اللهج! إني على يقين من هذا.»
Unknown page