فلما ذكر اسم نوفيكوف بدا لليدا النور في الظلمة، وخيل إليها لحظة أن من السهل إصلاح ما فسد لأن سارودين أشقاها، وهي مقتنعة أن نوفيكوف لم يكن ليصنع بها ما صنع ذاك. ولم يبق عليها إلا أن تنهض لتوها وأن تعود وأن تقول كلمة أو اثنتين لتعود الحياة وضيئة الجمال. وستحيا مرة أخرى وتحب ثانية.
ولكن حياتها في هذه المرة ستكون خيرا وحبها أعمق وأطهر، بيد أن هذا الحلم لم يطل، فذكرت أن هذا مستحيل، وأن الحب السخيف الحقير قد لوثها وهوى بها.
وخطرت ببالها كلمة خشنة لم تكن تدري أنها تعرفها ولم تنطق بها قط، فنعتت بها نفسها فكأنما لكمها لا كم على أذنيها وصاحت: «ويحي. هل صرت حقا ...؟ نعم نعم لا شك.»
ثم تمتمت وقد أخجلها رنين صوتها: «ماذا قلت؟»
فسألها سانين: «حسن علام عولت؟»
ونظر إلى شعرها الجميل المتهدل على جيدها الناصع المتألق في ضوء الشمس النافذ إليه من خلل الأوراق، وتملكه الخوف من أن يعجز عن إقناعها، وأشفق أن تغيب في فراغ الموت المظلم هذه المرأة الجميلة التي خلقت لتنشر السرور والغبطة، وكانت ليدا صامتة تعالج أن تصرع رغبتها في الحياة، وكانت هذه الرغبة قد طغت بها على رغم إرادتها واستولت على كيانها المرتعد. وحسبت أن من العار بعد الذي جرى لا أن تعيش فقط بل أن ترغب في الحياة. غير أن جسمها القوي المملوء حيوية رفض هذه الفكرة الممسوخة كأنها السم الزعاف.
وسألها سانين: «ما لك صامتة!»
قالت: «لأن هذا مستحيل. إنه يكون دناءة! إني ...»
فقال سانين وقد نفد صبره: «لا تنطقي بهذه السخافة!»
فرفعت ليدا طرفها إليه مرة أخرى وفي عينيها المغرورقتين بارقة أمل، وكسر سانين غصنا صغيرا عضه ثم ألقى به وقال: «دناءة! ألفاظي تذهلك. ولكن لماذا؟ إن المسألة لا يسعني لا أنا ولا أنت أن نجيب عنها جوابا صحيحا. جريمة؟ ما هي الجريمة؟ إذا تعرضت حياة الأم للخطر وهي تضع طفلا وأميت هذا الطفل الحي لتنجو أمه لم يعد الناس هذا العمل جريمة بل ضرورة منحوسة! فإما أن نقضي على شيء لم يوجد بعد فهذا جرم شنيع! نعم جرم شنيع حتى ولو كانت حياة الأم بل سعادتها وهي أكبر من حياتها رهن بذلك! لماذا يكون هذا هكذا؟ لا يدري أحد! ولكن كل امرئ يذهب إلى هذا ويصيح: مرحى! - وضحك سانين ساخرا - ويحكم معاشر الرجال يخلقون لأنفسهم خيالات وأشباحا وأوهاما هم أول من يروح فريستها. على أنهم يقولون إن الإنسان أشرف الكائنات وأعلاها وأنه تاج الخليقة وملكها وأراه ملكا لم يحكم قط، ملكا معذبا يفزعه ظله!»
Unknown page