فأحنى أرمان رأسه إشارة إلى القبول، وصعد أندريا إلى المركبة، وهو يقول: أليست السعادة الحقيقية أن يجتمع العاشق بمن يحب، وعندي أن من يحب خطيبة له يجب عليه أن يخفيها عن جميع العيون.
فافتكر أرمان بحنة، واختلج قلبه، أما أندريا فإنه ضرب الجواد بالسوط وقال لأرمان بصوت الهازئ: إذا احببت امرأة فإني أشير عليك أن تحافظ عليها كما يجب.
فاصفر وجه أرمان وافتكر ثانية بحنة، فملأ قلبه الخوف.
وسارت مركبة أندريا تعدو به كالبرق الخاطف ساعات طويلة إلى أن بلغت إلى ذاك المنزل الذي جلست فيه حنة وسريز، وهو منزل مدام فيبار، ففتح بابا سريا ودخل منه، فنظر إلى الرمل وإذا عليه أثار أقدام، فتنهد تنهد الفرح، وقال: وقع الطير في الشرك وقد أصبحت حنة لي.
وفيما هو يسير في الروضة، رأى كولار مضطجعا تحت ظل شجرة على غاية الاطمئنان، فدنا منه وقال: ما وراءك من الأخبار؟
فنهض كولار ووقف أمامه بإكرام واحترام، وقال: إنها لا تزال نائمة؟ - في أية ساعة تركت المرقد؟ - في الساعة العاشرة.
فنظر أندريا إلى ساعته وقال: الآن ثمانية وهي لا تفيق قبل العاشرة. ثم مشيا سوية ودخلا إلى ذاك المنزل الأنيق، فولجا تلك الغرفة التي تركنا فيها حنة منذهلة مستغربة لوجودها في مثل هذا المكان، وكانت ساعتئذ نائمة، فدنا منها وتفرس في وجهها، ثم قال: إني أهنئ أخي أرمان لسلامة ذوقه، فهي بالحقيقة على غاية من الجمال. وبعد ذلك سأل كولار عن سريز فقال: إنها لا تزال تبكي وتشكو من معاملة مدام فيبار.
فاغتاظ أندريا من ذلك، وقال له: اذهب وادع لي مدام فيبار، وأخبر سريز بأني قادم لزيارتها.
فذهب كولار وجلس أندريا بالقرب من منضدة، فكتب إلى حنة الرسالة التي مر ذكرها، ثم نهض ووقف أمام حنة فجعل ينظرها ويقول: إنها بارعة الجمال وهي الآن متأثرة من المرقد فلا تشعر بشيء، ولو كان سواي لكان ينتقم انتقاما أشد وأقسى، وأنا لا أريد جسم هذه الفتاة بل إني أريد قلبها، فهي قد ابتدأت أن تحب أرمان وستنتهي بأن تحبني، وقد كان يتمثل أرمان لها بالأمس شخص الفضيلة، ولكني سأدعها ترى فيه بعد ذلك المكر والدناءة والخداع، وأنه مخادع وقد انتحل اسمي ليتمكن به من غوايتها، فسأكون أنا أرمان الحقيقي بعينها، ويكون أرمان المنتحل الخائن.
وبعد أن انتهى من تصوراته قرع الجرس، فدخلت الخادمة وكان أعدها لخدمة حنة، فأمرها أن تدعو جميع الخدم، ولما أتوا قال لهم: إنني أعطي كلا منكم مائة دينار إذا كنتم تظهرون أمام هذه السيدة النائمة أنني أنا الكونت أرمان دي كركاز، وإذا كنتم تجعلونها تعتقد بذلك، وإلا فإنني أطردكم جميعا.
Unknown page