ثم صرفهم وخرج في إثرهم وهو يقول: سينطلي مثل هذا المحال على سريز أيضا، فإذا لم تقتنع حنة من الخدم، فهي تقتنع ولا ريب من صديقتها سريز! (24) الوعود
لقد تركنا سريز مغميا عليها في منزل مدام فيبار، وبعد أن أفاقت من إغمائها نقلتها إلى غرفة عالية حسنة الأثاث، ثم تركتها ومضت في شأنها بعد أن أقفلت الباب عليها، وكان أول ما بدأت به سريز بعدما رأت نفسها وحيدة بهذه الغرفة، أنها أسرعت إلى الباب وحاولت فتحه والخروج، ولكنها رأته مقفلا فأخذت تصيح وتستغيث، ولكن لم يجبها غير الصدى، ولما لم تستطع شيئا أخذت تبكي بكاء الأطفال. وعند الظهر دخلت عليها مدام فيبار بآنية طعام فرفضت أن تأكل، فتركتها وخرجت فأقفلت الباب من المخارج، وفي المساء عادت إليها بالطعام فرفضت أيضا، فلم تكترث مدام فيبار بذلك، وفعلت نفس ما فعلته عند الظهر، وفي اليوم الثاني تغدت بالقليل من الطعام، وأرادت أن تخرج من الغرفة، فمنعتها العجوز وعاملتها أسوأ المعاملة.
ومضى على سريز في ذلك المجلس ثلاثة أيام حتى نضب الدمع من عينيها، وكادت تجن من اليأس، وفيما هي ذات يوم متكئة على النافذة فتح باب غرفتها ودخل منه السير فيليام، فلما رأته صاحت صيحة رعب شديدة، وركضت منذعرة إلى آخر الغرفة كمن تريد الهرب.
أما السير فيليام فكان هادئا مبتسما، وقد تكلف هيئة اللطف والاحترام، فرفع قبعته وانحنى مسلما بمنتهى الأدب، وقال: اطمئني يا سيدتي، فإني رجل شريف.
فلبثت بمكانها تنظر إليه نظرة القلق والريبة، وقد ذهب عنها بعض ذلك الرعب، فقال لها بصوت رقيق: أصغي إلي يا سيدتي، فإني سأخبرك بما لا تعرفينه. - أيمكن يا سيدي أن تكون أنت الآمر بجميع ما كابدته من المتاعب والإهانة؟
فتصنع أندريا الغضب وقال: من الذي جسر على ذلك؟ - تلك العجوز الشمطاء، التي قالت لي أنهم أتوا بي إلى هذا المكان بقصد أن ...
فقاطعها أندريا وقال: كل ما قيل لك كذب وزور، وسأنتقم لك.
فقالت سريز وقد تهدج صوتها وأجهشت بالبكاء: إني أسيرة في هذه الغرفة منذ ثلاثة أيام، ولم أعلم شيئا عن ...
فلم يدعها تتمم وقال: تريدين أن تقولي إنك لم تعلمي شيئا عن خطيبك ليون رولاند ... اطمئني، ولينعم بالك فإن خطيبك يستحق حبك، وسأجعل لك مهرا يتسع فيه حالكما بحيث تعيشان على أتم السعادة.
فتنهدت سريز تنهد الفرح، وقالت: لم أكن أصدق أبدا يا سيدي ما كانت تقوله لي هذه العجوز. - ماذا كانت تقول لك؟ - إنه لم يؤت بي إلى هنا إلا بأمرك ... لأنك شاب واسع الثروة، وأنا صبية فقيرة ... - فتظاهر أندريا أنه التهب من الغيظ، وقال: أنا الكونت أرمان دي كركاز، أرتكب مثل هذه الدناءة! - أنت يا سيدي هو الكونت أرمان دي كركاز؟ - أجل يا ابنتي، وقد عرفت خطيبك ليون بواسطة خادمي بستيان الذي قد رأيته ولا ريب، فهو ذلك الرجل الذي أنقذكم من أخصامكم في فندق بلفيل. - أجل، أجل، إني أذكر ذلك وقد عرفته. - إذن فأصغي إلي ولا تخشي أبدا، فإنك حسناء فاضلة وكذلك ليون، فهو أهل لك، وأنا سأكون لك بمثابة أب أو أخ، فإن مدام فيبار قد قالت شيئا من الحقيقة، وهو أنه قد أتي بك إلى هنا بأمري، ولكن ما قالته لك من أني أريد غوايتك إفك وبهتان، والذي يجب علينا الآن هو إنقاذ ليون وحنة.
Unknown page