Rasaʾil Ihwan al-safaʾ wa hillan al-wafaʾ

Ikhwan Safa d. 375 AH
52

Rasaʾil Ihwan al-safaʾ wa hillan al-wafaʾ

رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

Genres

والأصوات الحادة حارة تسخن مزاج أخلاط الكيموسات الغليظة وتلطفها، والأصوات الغليظة باردة ترطب مزاج أخلاط الكيموسات الحارة اليابسة، والأصوات المعتدلة بين الحادة والغليظة تحفظ مزاج أخلاط الكيموسات المعتدل على حالته؛ كي لا يخرج عن الاعتدال، والأصوات العظيمة الهائلة غير المتناسبة إذا وردت على المسامع دفعة واحدة مفاجأة، أفسدت المزاج وأخرجته عن الاعتدال، وتحدث موت الفجأة ولها آلة صناعية كان اليونانيون يستعملوها عند الحروب ويفزعون بها نفوس الأعداء، ويسد النافخون فيها آذانهم عند استعمالها وتحريكها، والأصوات المعتدلة المتزنة المتناسبة تعدل مزاج الأخلاط وتفرح الطباع، وتستلذ بها الأرواح وتسر بها النفوس.

(4) فصل في تأثر الأمزجة بالأصوات

اعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن أمزجة الأبدان كثيرة الفنون وطباع الحيوانات كثيرة الأنواع، ولكل مزاج وكل طبيعة نغمة تشاكلها ولحن يلائمها لا يحصي عددها إلا الله - عز وجل.

والدليل على حقيقة ما قلنا وصحة ما وصفنا أنك تجد إذا تأملت لكل أمة من الناس ألحانا ونغمات يستلذونها ويفرحون بها، لا يستلذها غيرهم ولا يفرح بها سواهم، مثل غناء الديلم والأتراك والأعراب والأرمن والزنج والفرس والروم وغيرهم من الأمم المختلفة الألسن والطباع والأخلاق والعادات.

وهكذا أيضا أنك تجد في الأمة الواحدة من هذه أقواما يستلذون ألحانا ونغمات وتفرح نفوسهم بها، ولا يسر بها من سواهم، وهكذا أيضا ربما تجد إنسانا واحدا يستلذ وقتا ما لحنا ويسره، ووقتا آخر لا يستلذه بل ربما يكرهه ويتألم منه، وهكذا تجد حكمهم في مأكولاتهم ومشروباتهم وفي مشموماتهم وملبوساتهم وسائر الملاذ والزينة والمحاسن، كل ذلك بحسب تغيرات أمزجة الأخلاط واختلاف الطبائع وتركيب الأبدان والأماكن والأزمان كما بينا طرفا من ذلك في رسالة الأخلاق.

(5) فصل في أصول الألحان وقوانينها

اعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن لكل أمة من الناس ألحانا من الغناء وأصواتا ونغمات لا يشبه بعضها بعضا، ولا يحصي عددها كثرة إلا الله تعالى الذي خلقهم وصورهم وطبعهم على اختلاف أخلاقهم وألسنتهم وألوانهم، ولكن نريد أن نذكر أصول الغناء وقوانين الألحان التي منها يتركب سائرها، وذلك أن الغناء مركب من الألحان، واللحن مركب من النغمات، والنغمات مركبة من النقرات والإيقاعات، وأصلها كلها حركات وسكون، كما أن الأشعار مركبة من المصاريع، والمصاريع مركبة من المفاعيل، والمفاعيل مركبة من الأسباب والأوتاد والفواصل، وأصلها كلها حروف متحركات وسواكن، كما بينا ذلك في كتاب العروض.

وكذلك الأقاويل كلها مركبة من الكلمات، والكلمات من الأسماء والأفعال والأدوات. وكلها مركبة من الحروف المتحركات والسواكن - كما بينا في كتاب المنطق - ومن يريد أن ينظر في هذا العلم فيحتاج أن يرتاض أولا في علم النحو والعروض مما لا بد منه، وقد ذكرنا في رسالة المنطق ما يحتاج إليه المتعلم والمبتدئ، ونحتاج أن نذكر ها هنا أصل العروض وهو ميزان الشعر وقوانينه؛ إذ كانت قوانين الموسيقى مماثلة لقوانين العروض، فنقول:

إن العروض هو ميزان الشعر يعرف به المستوي والمنزحف، وهي ثمانية مقاطع في الأشعار العربية، وهي هذه: فعولن، مفاعيل، متفاعلن، مستفعلن، فاعلاتن، فاعلن، مفعولات، مفاعلتن، وهذه الثمانية مركبة من ثلاثة أصول، وهي: السبب، والوتد، والفاصلة، فالسبب حرفان: واحد متحرك وآخر ساكن أو متحرك، مثل قولك: هل لم، وما شاكلها، والوتد ثلاثة أحرف: اثنان متحركان، وواحد ساكن، مثل قولك: نعم وبلى وأجل وما شاكلها، والفاصلة أربعة أحرف: ثلاثة متحركة، وواحد ساكن، مثل قولك: غلبت فعلت وما شاكلها. وأصل هذه الثلاثة حرف ساكن وحرف متحرك، فهذه قوانين العروض وأصوله.

وأما قوانين الغناء والألحان فهي أيضا ثلاثة أصول، وهي السبب والوتد والفاصلة، فأما السبب فنقرة متحركة يتلوها سكون، مثل قولك: تن تن تن تن ويكرر دائما، والوتد نقرتان متحركتان يتلوهما سكون، مثل قولك: تنن تنن تنن تنن، يكرر دائما، والفاصلة ثلاث نقرات متحركة يتلوها سكون، مثل قولك: تننن تننن تننن تننن.

Unknown page