Qawāʿid fī al-sulūk ilā Allāh taʿālā
قواعد في السلوك الى الله تعالى
Genres
وينمحي كما يمحو الشمس نور القمر، ويطوي الكون عن قلبه كما تطوى السموات يوم القيامة، ولا يبقى إلا الله الواحد القهار، وتنبع الأنوار من وسط قلبه كفيضان شعاع الشمس من جرم الشمس، فيغرق العبد في الأنوار كما يغرق راكب البحر في البحر، وذلك إنما يكون بعد الرياضة والمجاهدة وزوال الطبيعة ، العناصر الأربعة من العبد وطول الوقوف بالباب.
وهذا الغرق من حق اليقين ، وما وجده من المراقبة والحياء هو من عين اليقين؛ فإن هو استمر على حاله واقفا بباب مولاه، لا يعرج عنه يمينا ولا شمالا، ولا يلتفت إلى زوجة ولا مال، ويعلم أن الأمر وراء ذلك، وأنه لم يصل بعد.
ومتى توهم أنه وصل؛ انقطع، وانقطع عنه المزيد، فيرجى أن يفتح له بالغرق في أنوار الجلال بعد ظهور أنوار الوجود ومحو وجوده، فيبقى كأنه في بحر من أنوار الجلال، فتنبع الأنوار من باطنه كنبع النور من القمر ، أو الماء من العين المعينة، فيبقى لذلك ما شاء الله أن يبقى، ويجد الملكوت الأعلى جميعه كأنه في باطنه وقلبه عال عليه كله، ثم يرقيه الله عز وجل، فيغرق في أنوار الإكرام، فيبقى في بحر من أشعة الجمال، يفيض ذلك من قلبه على الوجه الذي تقدم ذكره.
وفي هذا المقام من تجلي الجمال الأحدي على الأرواح يرزق العبد المحبة الخاصة الملهية للأرواح والقلوب، فيبقى العبد مأسورا مأخوذ القلب، مفتونا بالحبيب، ولا يعرف ذلك من لم يفتتن بصورة حسنة تنجذب إليها قواه، فما ظنك بمن أشرب طوالع المحبوب قواه.
Page 285