262

Qawāʿid fī al-sulūk ilā Allāh taʿālā

قواعد في السلوك الى الله تعالى

Genres

النور أنه بين يدي الله عز وجل، فيستحيي منه في الخلوات والجلوات وفي أوقات دخول الخلاء وغيره، ويرزق عند ذلك دوام المراقبة للرقيب، ودوام التطلع إلى حضرة الحبيب العلي الأعلى فوق العرش، وعلمه، ونظره، وسمعه في كل مكان، يحيط بالأشياء، فيستولي على العبد شاهد الحياء والمراقبة حتى يغطي عليه كثيرا من الهموم، فيبقى كأنه في عالم آخر، والناس في عالم آخر، نعم؛ هو في عالم آخر، بين يدي الله عز وجل، والناس في حجاب عالم الشهادة في الدنيا، فهو يراهم وهم لا يرونه، ولا يرون مكانه، هم كما قيل: فلو تسأل الأيام ما اسمي ما درت وأين مكاني ما عرفن مكاني وعند ذلك تقوى محبة التلاوة ؛ لأنه مادة مشهودة ، يشهد المتكلم به في أطوار الكلام وأثنائه، فيستحيي منه ومن اطلاعه.

وتارة يجمعه الذكر فيفنى ويستغرق، ثم يفتح له الشعور بأفعال الله عز وجل، فيرى سائر التقلبات الكونية وتصاريفها بيده ، يراه مالك النفع والضر، فيتوكل عليه ويتخذه وكيلا، ويقل تألمه من الحوادث المؤلمة ؛ فإنه يراها صادرة منه لا من غيره ، فيعفو عمن ظلمه، مشاهدا للحكم القدري، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، مشاهدا للحكم الشرعي ، وعند ذلك إذا وقع نظره على شيء من المخلوقات دله على خالقه وبارئه، فلا يحجبه خلق عن ربه عز وجل.

فإذا استمر الأمر به على ذلك، ودام طلبه لربه؛ فتح له باب القبض والبسط، يقبض عليه حتى يجد الألم في قلبه؛ لقوة حال القبض، ثم يقبض وعاءه بالأنوار؛ أنوار الوجود، فيفنى عن وجوده،

Page 284