216

(( أو )) تعارضهما من كل وجه، مع حصول (( قرينة قوية )) يحصل معها غلبة الظن بتأخر أحدهما. (( كغزاة )). أي: بأن ينسب الصحابي أحدهما إلى غزاة. (( أو )) ينسبه إلى (( حالة )) متقدمة، وينسب الآخر من المتعارضين إلى غزاة أو حالة متأخرة. نحو أن يقول: نزلت هذه الآية في غزاة بدر. وتلك في غزاة أحد .

أو قال: هذا الخبر في خامس الهجرة، وذلك في سادستها. (( فيعمل بذلك في المظنون فقط )). أي: إذا كان الخبر الذي عرف نسخه بأي هذا الأمارات مظنونا فقط. لا إذا كان معلوما، فلا يعمل به. لئلا يؤدي إلى ترك القاطع، الظني. (( على المختار )). لأن منهم من قال: إنه يعمل به في القاطع أيضا. لأنه إذا تعارض قطعيان تعين أحدهما. فإذا قال الصحابي: هذا متأخر عن ذاك. سمع منه. فالنسخ إنما حصل بطريق التبع، لا بقول الصحابي.

وأجيب عن هذا: بأنه إذا قبل قول الصحابي في المتأخر، كان الناسخ في الحقيقة هو قول الصحابي. إذ لولاه لما وقع النسخ. وفيه ضعف.

وأما الطرق الفاسدة:

* ... فمنها: قول الصحابي. سواء عين الناسخ، بأن يقول: هذا الحكم منسوخ بكذا. أو لم يعينه. نحو أن يقول: هذا الحكم منسوخ.

أما الأول: فلأنه لم يبين الوجه في كونه ناسخا. بل أحاله علينا ولم يتحمل عهدته، فلا يقبل. ولو كان الحكم ظنيا.

وأما الثاني: فلاحتمال أن يكون ذلك مذهبا له. ومذهب الصحابي ليس بحجة كما تقدم.

* ... ومنها: قبليته في المصحف. فإنه لا يشعر بقبيلته في النزول. لأن الآيات لم ترتب على ترتيب النزول.

* ... ومنها: حداثة سن الصحابي. لأنه متأخر الصحبة. فلا يدل على تأخر ما نقله. لأن منقول متأخر الصحبة قد يكون متقدما. وبالعكس.

* ... ومنها: تأخر إسلامه. وهو كالذي قبله. ونحو ذلك.

فهذه: هي الطرق إلى تعيين الناسخ ومعرفته من المنسوخ. وما ليس بناسخ ولا منسوخ. والله الهادي .

فإذا عرفتها ولم تعلم الناسخ من المتعارضين بطريق معين منها، وجب التوقف حتى يظهر دليل. لا التخيير فيهما، ولا إبطالهما، والأخذ في الحادثة بغيرهما. لأن مرجعه إلى رفع حكمها، مع العلم بأن أحدهما حق. وذلك مما لا يجوز. والله أعلم.

Page 194