والأقسام التي فيها يمجها طبعي وينفر عنها حتى يعافها نقدي [1].
قال محققا التذكرة: ويقدم لكل باب من أبوابه بمقدمة يظهر فيها براعته الفنية، وبأسلوب مسترسل وعبارات مسجوعة، وهي صورة لعصره الذي برع فيه أقطاب هذا الاتجاه، وتميز أدب الفترة بهذا الضرب الفني. وتأتي بعض إشاراته وهي تقف عند مسائل نقدية تتعلق باستخدام ألفاظ واستعمال مفردات وتقويم عبارات. ومن الطريف أن نجد المؤلف يخالف النقاد القدامى والبلاغيين في بعض آرائهم، فإذا استحسنوا أبياتا من الشعر وجدناه لا يجري مجراهم في الإعجاب أو المتابعة، وإنما يظهر رأيه بصراحة ويعبر عن موقفه بصورة معاكسة، فإذا ذكر أبياتا لزهير مثلا قال: إن هذه الأبيات قد استحسنها أبو هلال، والأقسام التي فيها يمجها طبعي وينفر عنها حتى يعافها نقدي، والمؤلف لا يقف عند حدود الاستشهاد، أو تنتهي مهمته عند حدود النقل غير الواعي، وإنما يجد في كل باب من أبوابه استجابة يغنيها بشعره، والتفاتة تحيط بما لم يعثر عليه عند شعراء الاستشهاد [2].
وبعد: فالإربلي أديب قوي العارضة، تذوق الأدب منذ نشأته الاولى، وقد مارسه طيلة حياته، ناظما وناثرا وناقدا ماهرا، لا يعوزه التعبير ولا يصد طريقه وعورة التقرير. تولى كتابة الإنشاء في ديوان السلطان سنين حتى عد من أجلاء المنشئين.
وفيما يلي ننقل سطورا من نثره الدارج في عصره، ليلمس القارئ قوة تعبيره وتمكنه في الأدب العربي:
«ولي طبيعة تصبو إلى زمن الربيع، وتتشوف إلى النبات المريع، أجد من نفسي نشاطا في أيامه، ويهيجني نشر رنده وخزامه، وأبتهج ببنانه وعراره، وأطرب لدرهمه وديناره، واستنشئ رياه ويشوقني محياه، ويروقني منظره ومخبره، ويرق لي أصيله وسحره، ما تفتقت أكمامه إلا تحرك وجد القلب وغرامه، ولا فتح نواره إلا وأضرم في الحشا ناره ...».
«ولم يكن عندي إذ ذاك باعث غرام، وليس هم في غلامة أو غلام، لا سبيل علي لسلطان البطالة، ولا طريق على قلبي لغزال ولو كان كالغزالة، أعجب ممن يهيم وجدا،
Page 18