يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله
فإنه لا مبالغة فى مالك، كما أنها لم تكن فى تملك، وإنما اختلفا فى إثبات أن الله مالك وغيره غير مالك فى ذلك اليوم، والمختار ملك بدون ألف، لأنها هى قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الغالب، وقراءة أهل الحرمين، وقيل لقوله تعالى
لمن الملك
لأن المراد فيه باليوم يوم الدين، وقد ذكر فيه الملك بضم فإسكان المأخوذ منه الملك بفتح فكسر، وهذا التعليل مبنى على أنه ليس ملك بفتح فكسر صفة مبالغة، بل صفة للمتصرف بالأمر والنهى فى المأمورين، بل هو بمنزلة قولك سلطان ولو كانت فى الأصل صفة مبالغة، واختيرت هذه القراءة أيضا لما فيها من التعظيم، والمالك بالألف هو المتصرف فى الأعيان المملوكة كيف يشاء، فبين المالك والملك عموم وخصوص من وجه، لأن الملك بدون ألف هو المتصرف فى الأعيان المأمورة مملوكة أو غير مملوكة، والمالك بالألف هو المتصرف فى الأعيان المملوكة مأمورة أو غير مأمورة كذا قيل، والأوجه أن بينهما عموما مطلقا، فكل مالك بالألف ملك بدون الألف ولا عكس، لعموم ولاية الملك بدون ألف، وإن اعترض بأنه يقال مالك الدواب والأنعام والوحوش والطيور بالألف، ولا يقال ملكها بدون ألف، أجيب بأن ذلك ليس من جهة عدم شمول حياطته لذلك، بل من جهة أنه إنما يضاف عرفا إلى ما فيه انقياد وامتثال، وينفذ فيه التصرف بالأمر والنهى، وقيل المالك بالألف أعم، فكل ملك دون ألف مالك بألف ولا عكس، وهو قول من يعترض بذلك الاعتراض المذكور، وحجته ما ذكرته مما اعترض به، وقد مر الجواب.
وقيل ملك يوم الدين بدون ألف صاحب ذلك اليوم الذى يكون فيه الجزاء، وقيل هو القادر على اختراع الأعيان من العدم إلى الوجود، ولا يقدر على ذلك غير الله عز وجل، ويرده استعماله فى غير الله إلا أن يدعى أنه مجاز بحسب الأصل، وقيل القراءتان بمعنى واحد، وقرئ ملك بإسكان اللام تخفيفا، وقرأ أبو حنيفة ملك بفتحها وفتح الكاف على أنه فعل ماض، ونصب اليوم على المفعولية، أى ملك نفس ذلك اليوم أو على الظرفية، وحذف المفعول أى ملك الأمر فى ذلك اليوم، وقرأ مالكا بالألف والنصب والتنوين، ونصب يوم على المفعولية أو الظرفية على ما مر آنفا، ومالكا فى هذه القراءة حال أو مفعول لمحذوف تقديره أمدح أو أخص أو أعنى، قيل أو منادى بمحذوف على أنه متصل بما بعده، أى يا مالك يوم الدين إياك نعبد، كأنه قيل إياك نعبد يا مالك يوم الدين، وقرأ مالك بالألف والرفع والتنوين ونصب اليوم على ما مر، ومالك بالألف والرفع والإضافة لليوم، وملك بدون ألف وبالرفع والإضافة، وهاتان القراءتان خبر لمحذوف، أى هو مالك أو ملك، وقرأ أبو هريرة مالك بالألف والنصب والإضافة، وقرأ بدون ألف وبالنصب على ما مر فيه والإضافة وجملة ملك فى قراءة الفعل محلها نصب على الحال، وقال أبو حيان لا محل لها لأنها مستأنفة، ويدل للأول فيما قيل قراءة النصب على الحال، ويرده أن النصب لا ينحصر فى الحالية بجواز المفعولية لمحذوف كما مر، أو النداء على ما قيل، بل قراءة الرفع تدل قيل على ما قال أبو حيان، لأنه لمحذوف ولا دليل فيه لإمكان فعل الابتداء، والخبر حال، فذلك كله محتمل جائز والإضافة إلى اليوم فى قراءات الإضافة كلها بمعنى اللام، وقيل بمعنى فى على ما مر من أن المعنى ملك نفس اليوم، أو ملك الأمور فيه، واختير الأول، وخص الإضافة إلى اليوم أو نصبه بمالك، مع أنه مالك كل شئ لتعظيم ذلك اليوم أو لتفرده تعالى بنفوذ الأمر فيه، لأن ملك الأملاك يومئذ زائل، فلا ملك يومئذ ولا آمر إلا الله تعالى كما قال
والأمر يومئذ لله
وقال
لمن الملك اليوم لله الواحد القهار
وقال
الملك يومئذ الحق للرحمن
Unknown page