قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا
ولهذا العلل رد الجمهور الهاء إلى ما نزلنا، ولو رددنا إلى العبد لأوهم إمكان صدور مثل الصورة ممن لم يكن على صفته، ولكان قوله { وادعوا شهدآءكم من دون الله } غير ملائم لذلك الإمكان إذ لا معنى للاستظهار بشهدائهم على أن يأتوا بسورة واحدة من مثل محمد - صلى الله عليه وسلم - فإن قوله { ادعوا... الخ } أمر تعجيز بأن يستعينوا بكل من ينصرهم ويعينهم، سواء كان مثله أم لا، والشهداء جمع شهيد بمعنى حاضر أو قائم بالشهادة أو الناصر أو الإمام. سمى به لأنه يحضر النادى، أعنى المجلس، وتبرم بحضرته الأمور لأن لفظ الشهادة، وما تصرف منه لحضور الشىء بذاته أو بعلمه، ومنه سمى القتيل فى سبيل الله شهيدا، لأنه حضر ما كان بمجيئه يرجوه أو حضرته الملائكة، وفيه أوجه تأتى إن شاء الله فى محلها. وقال الله جل وعلا
شهد الله أنه لا إله إلا هو
أى علم الله أنه لا إله إلا هو. ويجوز أن يكون الشهداء جمع شاهد كعالم وعلماء، وعاقل وعقلاء، وشاعر وشعراء، والله أعلم. ومعنى { دون } أدنى مكان من الشىء، ولست أريد أن مادة دون الدنو وما تصرف منه واحدة، بل مادتان اختلفتا فى إعلال العين واللام وتصحيحهما، ومن ذلك تدوين الكتب، لأنه أدنى البعض من البعض بأن تضم المعانى والنقوش وتضم كل ورقة إلى أخرى، ويقال دونك هذا أى خذه من أدنى مكان منك، ثم استعير للرتب فقيل عمرو دون زيد، أى فى الشرف، ومنه قولهم الشىء الدون، أى الردىء، ثم اتسع فيه فاستعمل فى كل تجاوز حد، أو تخطى أمر إلى آخر. وإن خلا عن اعتبار المنزلة والرتبة. قال جل وعلا
لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين
أى لا يتجاوز ولاية المؤمنين إلى ولاية الكافرين. وقال أمية بن أبى الصلت
يا نفس مالك دون الله من واق ولا لسع بنات الدهر من راق
أى إذا تجاوزت وقاية الله، فلا يغنيك غيره ومن متعلقه بادعوا. والمعنى وادعوا لمعارضة القرآن بالإتيان بمثل سورة منه، من حضركم أو رجوتم معونته من الإنس والجن والأصنام، فإنه لا قدرة لكم على الإتيان بمثلها ولا تدعوا الله لذلكم فإنه القادر وحده على الإتيان بمثل القرآن. أو المعنى ادعوا من دون الله من يشهد لكم من الناس إنما أتيتم به مثله، وصححوا دعواكم ولا تقصروا على قولكم الله يشهد إنما ندعيه حق فإنه من عادة الذى يقول البهتان ويعجز عن إقامة الحجة والأمر على هذين المعنيين للتبكيت والتعجيز، أو المعنى ادعوا من دون الله شهداءكم الذين اتخذتموهم أولياء من دون الله، وهم شرفاؤكم ليشهدوا أنكم أتيتم بمثله، وليسوا بشاهدين بذلك.
وأما المؤمنون فلا مطمع لكم فى الشهادة بذلك. و { من } على المعانى الثلاثة متعلق بادعوا. والأمر على المعنى الثالث لاستدراج. والمعنى ادعوا شهداءكم الذين اتخذتموهم آلهة وهم الأصنام وزعمتم أنها تشهد لكم يوم القيامة أنكم على الحق، ولا تدعوا الله. والأمر على ذهاب المعنى أيضا للتهكم أو المعنى ادعوا أصنامكم التى تشهد لكم بين يدى الله أنكم على الحق. والأمر على هذا المعنى للتهكم أيضا. والمعنى ادعوا شرفاءكم ورؤساءكم يشهدوا أنكم آتيتم بمثله، متجاوزين أولياء الله المؤمنين فإنه لا شهادة لهم فى ذلك. يعنى أن شرفاءكم ورؤساءكم لا يشهدون بذلك لظهور بطلانه. و { من } على المعانى الثلاثة الأخيرة متعلقة بشهداء والأمر على الأخير لاستدراج، أو يجوز تعليق { من } بمحذوف حال فى تلك المعانى كلها، إلا الخامس فتعلق فيه بشهدائكم أو بمحذوف ليشهدوا. أى من دون الله ومن استعمال دون بمعنى بين قول الأعشى
تريك القذى من دونها وهى دونه إذا ذاقها من ذاقها يتمطق
Unknown page