414

Himyān al-zād ilā dār al-maʿād

هميان الزاد إلى دار المعاد

Regions
Algeria

أى خذى من أخلاقى ما يكون سهلا، ولا تنطقى فى حدتى وشدة غضبى. وعن ابن عباس رضى الله عنهما العفو من المال ما فضل عن حاجة العيال، كما يقال للأرض السهلة عفو، وأصل العفو الزيادة أو الكثرة، وهو ما زاد عن حاجة العيال. وروى

" أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيضة من ذهب أصابها فى بعض الغنائم فقال خذها منى صدقة، فأعرض عنه، فأتاه من الجانب الإيمن فقال مثل ذلك، فأعرض عنه، ثم أتاه من الجانب الأيسر فأعرض عنه، فقال هاتها مغضبا فأخذها فحذفها حذفا لو أصابه لشجه أو عقره، ثم قال " يأتى أحدكم بماله كله يتصدق به ويجلس يتكفف الناس، إنما الصدقة عن ظهر غنى "

والحذف بالحاء المهملة الرمى، والتكفف السؤال بالكف، أو سؤال الكفاف، وظهر الغنى التمكن على الصدقة بحسب الغنى، وذكر الظهر ليدل على الاستظهار عليها بالغناء، فكان الرجل بعد نزول هذه الآية يأخذ من كسبه ومن ماله وما يكفيه فى عامه وينفق باقيه إلى أن فرضت الزكاة فنسخت هذه الآية، وعن الحسن عنه صلى الله عليه وسلم

" خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول ولا يلوم الله على الكفاف "

، وعن جابر بن عبد الله عنه صلى الله عليه وسلم

" إذا كان أحدكم فقيرا فلبيدأ بنفسه ثم بمن يعول، ثم قرابته، فإن فضل شئ فها هنا وهنا "

يشير إلى يمينه ويساره وأمامه وخلفه، وقيل العفو ما زاد على ألف درهم بنفقه ويمسك الألف أو قيمتها ذهبا، وقيل يمسك ثلث ماله وإن كان أهل ثمار أمسك ما يكفيه عامه، وإن كان يكسب أمسك ما يكفيه يومه، فشق ذلك فنزلة الآية الزكاة، وعن ابن عباس العفو القليل الذى لا يتبين خروجه من المال، ومثله عن طاووس، وقال الحسن وعطاء ما ليس إسرافا ولا إقتارا، وعن مجاهد العفو الصدقة عن ظهر غنى وقال قتادة العفو أفضل المال وأطيبه، وقال الربيع العفو ما طاب، من المال، وقيل العفو ما لا إسراف فيه ولا إقتار، وقيل لو كانت الآية فى الزكاة لبينت فيها وليس كذلك لجواز إن تبينه السنة، وأجاز أبو مسلم أن يكون العفو الزكاة، ذكرت إجمالا فى السنة الأولى، فكانوا يصدقون ما يفضل عن العام، ذلك تفويض فيها إلى رأيهم ثم فصلت فى الثانية وأجير أن تكون الزكاة ذكرت إجمالا فى الآية، وذكرت فى غيرها تفصيلا، وفى وقت إجمال الآية يعملون بالتفصيل، وقرأ أبو عمر وبرفع العفو، أى هو العفو.

{ كذلك } متعلق بما بعد، أو نعتا لمصدر محذوف، أى تبيينا ثابتا كذلك أو تبيينا مثل ذلك، والإشارة إلى المذكور من البيان فى قوله تعالى { قل فيهما إثم كبير } ، وقوله تعالى { قل العفو } والخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم، أو لكل من يصلح له، ولا مانع من خطاب الواحد من جماعة هو منها قد خوطبت أيضا، أو الجماعة المخاطبة بعد أيضا لتأويلها بالواحد كالقبيل والجمع والفرق، وما ذكرته صحيح، لأن خطابه صلى الله عليه وسلم خطاب للجميع، ولأن خطاب من يصلح خطاب للجميع على سبيل الشمول البدلى وكأنه قيل { يبين لكم الآيات } تبيينا مثل ذلك التبيين الواقع فى جواب سؤالهم عن الخمر والميسر، وجواب سؤالهم عن الخمر والميسر، وجواب سؤالهم عن كم ينفقون. { لعلكم تتفكرون } فى الدلائل والأحكام.

[2.220]

{ فى الدنيا والآخرة } أى فى أمور الدنيا والآخرة، فتأخذوا بالأصلح الأسهل الأنفع فى العقبى، وتجتنبوا ما يضركم فيهما، وفى متعلق يتفكرون، أو ويبين، ولعل للتعليل. وقيل المعنى لعلكم تتفكرون فى أن الدنيا دار بلاء وفناء، وأن الآخرة دال إقبال وبقاء وجزاء، وهو مروى عن ابن عباس رضى الله عنه، قال الغزالى العاقل لا يغفل عن ذكر الآخرة فى لحظة فإنها مصيره ومستقره، فيكون له فى كل ما يراه من ماء أو نار أو غيرهما عبرة، فأن نظر إلى سواد ذكر ظلمة اللحد، وإن نظر إلى صورة مروعة تذكر منكرا ونكيرا والزبانية، وإن سمع صوتا هائلا تذكر نفخة الصور، وإن رأى شيئا حسنا تذكر نعيم الجنة، وإن سمع كلمة رد أو قبول تذكر ما ينكشف من أمره بعد الحساب من رد أو قبول، وما أجدر أن يكون هذا هو الغالب على قلب العاقل لا يصرف عنه إلى أمر الدنيا، فإذا نسب مدة المقام فى الدنيا إلى مدة المقام فى الآخرة، استحقر الدنيا إن لم يكن أغفل قلبه وأعميت بصيرته. { ويسألونك عن اليتامى } قال ابن عباس وابن المسيب لما نزلت

Unknown page