ففسر فيه الإيمان بما فسر به الإسلام فى حديث جبريل السابق، فاستفدنا منهما إطلاق الإيمان والإسلام على الأعمال شرعا، باعتبار أنهما متعلق مفهوميهما المتلازمين، وهما التصديق والانقياد، وقد صح حديث
" الإيمان بضع وسبعون شعبة أدناها إماطة الأذى عن الطريق، وأعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، والحياء شعبة من الإيمان "
، رواه أصحابنا بإسقاط بضع، ورواه البخارى ومسلم، وقد يطلق الإسلام على التصديق والعمل معا كقوله تعالى
إن الدين عند الله الإسلام
وحديث مسند أحمد
" أى الإسلام أفضل؟ قال الإيمان "
وخبر ابن ماجه
" ما الإسلام؟ قال أن تشهد أن لا إله إلا الله وتشهد أنى رسول الله، وتؤمن بالأقدار كلها خيرها وشرها حلوها ومرها "
وقد أطلق الإيمان كذلك كما روى الإيمان اعتقاد بالقلب وإقرار باللسان، وعمل بالأركان، وذلك توسع وتجوز، واتفقوا على أنه يستفاد من الأسماء الشرعية زيادة على أصل الوضع، فالإيمان لغة مطلق التصديق، وشرعا تصديق بأمور مخصوصة، فسمى الإيمان والإسلام لغة غيره شرعا، والراجع إثبات الحقائق الشرعية، فتلك الزيادة ضارب مع الأصل موضوعا شرعيا، ومن نفى ذلك قال هى لغات على وضعها اللغوى، وإنما الشرع تصرف فى شروطها وأحكامها، ثم إنه لا يخفى أن الحق معنا فى قولنا إن مرتكب الكبيرة كافر كفر نفاق وهو كفر نعمة موحد إيمانه ناقص، لا كما زعمت المرجئة أنه مؤمن كامل الإيمان، ولا كما زعمت المعتزلة أنه لا كافر ولا مؤمن، فإن أرادوا لا مؤمن إيمانا كاملا ولا كافر كفر شرك، فقد صدقوا وإن أرادوا نفى اسم الكفر عنه مطلقا كذبتهم آثار وأحاديث جمعتها فى بعض ما من الله به على من التأليف، وذكر الشيخ يوسف بن إبراهيم - رحمه الله - فى ترتيب مسند الربيع بن حبيب - رحمه الله - كثيرا منها، ولا كما قالت المالكية والشافعية والحنابلة والحنفية إنه لا يسمى باسم كافر أصلا، ووافقنا محققوهم على أنه يسمى به على معنى كفر النعمة، ولا كما زعمت الصفرية من أنه مشرك، ولا كما زعم بعض الصفرية أنه مشرك بالمعصية مطلقا، ولو لم تكن كبيرة.
واعلم أن الوحدانية وسائر صفاته تعالى الذاتية قديمة، والإيمان مخلوق قطعا، لأنه قول واعتقاد أو اعتقاد أو كلاهما وعمل، وإنما القديم وبعض متعلقاته وهو الصفات الذاتية وهى مراد من قال غير مخلوق، فالخلاف لفظى نسب الأول لجمع من الحنفية وأبى حنيفة، والثانى الآخرين منهم وأحمد وجماعة من المحدثين وأبى الحسن الأشعرى، والله أعلم. ومنع أبو حنيفة وأصحابه أنا مؤمن إن شاء الله، وإنما يقال أنا مؤمن حقا، وأجازه آخرون. قال السبكى هو وأكثر السلف من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم الشافعية والمالكية والحنابلة، ومن المتكلمين الأشعرية وسفيان الثورى، وذكر النووى فى شرح مسلم عن أكثر المتكلمين من الشافعية أنه لا يقال أنا مؤمن مقتصرا عليه، بل يضم إليه إن شاء الله، وعن الأوزاعى وغيره التخيير وهو حسن صحيح إذ من أطلقه نظر إلى أنه جازم فى الحال، ومن قال إن شاء الله قال إما للتبرك أو للجمل بالخاتمة، فإن من شك فى إيمانه كافر، وقد صرح بإن شاء الله فما هو قطعى، كقوله تعالى
Unknown page