307

Hamayan Zad

هميان الزاد إلى دار المعاد

Genres

ومحبة المؤمن لله، جل وعلا، إرادة طاعته والاعتناء بمراضيه، ومحبة الكافر له ميل قلبه إليه من حيث المنافع ودفع المضار، وهذا أيضا موجود فى المؤمن ومحبة الله لعبده إرادة إكرامه وتوفيقه للطاعة وصونه عن المعاصى أصلا، أو عن الموت عليها بإصرار. { والذين آمنوا أشد حبا لله } من حب المشركين للأنداد، لأن المؤمنين يطيعون الله، ويخلصون له، ولا يشركون به غيره فى السراء ولا الضراء، ولا يتركونه. والمشركون يعبدون الأصنام حتى إذا اضطروا أخلصوا لله، وإذا نجاهم عادوا إلى عبادة الأصنام، ويعبدون صنما، وإذا رأوا غيره أحسن منه، أو تشاءموا به رفضوه وعبدوا غيره، ويجمعون بين أصنام، ومن يعبد صنمين أو أصناما ناقص الحب لمعبوده، لاشتراك فى عبادته، بخلاف المؤمن العابد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، عبادة لا تزول لأنها بالذات. وعبادة الكافر لصنمه لأغراض فاسدة موهومة نزول بأدنى سبب، ولأن الله، جل وعلا، أحب المؤمنين أولا فأحبوه، فبحبه إياهم أحبوه، ومن شهد له معبوده بالحب فهو أشد حبا وأتمه، ولأن المؤمن يعظم الله أبدا، والكافر قد يهين صنمه، وقد يعبد عجينا فيأكله، وقد أكلت باهلة إلههم عام المجاعة. ورضى الله عن عمر بن الخطاب قد كان بهذه الحالة، فهداه الله إلى الإسلام والحمد لله، ومن أراد أن يحبه إنسان فليقرأ على ماء { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله } ، يسقه أو يرش به وجهه أو غصن ريحانة، ويناوله للشم، وتفعل فى الحب إذا أضيف إليها

وألقيت عليك محبة منى ولتصنع على عينى

وآية الكرسى، ومن كتب { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا } ، { والسماء بنيناها } ، إلى { الماهدون } ، { وما يأتيهم من ذكر } إلى { معرضين } فى قرطاس ويشرب الماء الذى يغسل ذلك به بعد ما يقرأ ذلك على الماء كان محبوبا، ومن كتب { يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله } وكتب قبلها أربعين تاء فى رق غزال ويبخره بالمايعة والنوبان، وعلقه عليه أو على غيره كان ممن عليه علق محبوبا عند كل من يراه. { ولو ترى } يا محمد أو يا كل من تمكن منه الرؤية، والذين مفعوله، وهذه قراءة نافع وابن عامر ويعقوب، وقرأ الباقون { ولو يرى } بالمثناة التحتية، والذين فاعل، وقيل فاعله ضمير السامع، أو الرائى، والذين مفعول.

{ الذين ظلموا } أنفسهم باتخاذ الأنداد، وهذا من وضع الظاهر موضع المضمر ليشنع عليهم بالظلم، ومقتضى الظاهر ولو تراهم أو ولو يراهم أو ولو يرون، لأنهم المتخذون الأنداد المتقدم ذكرهم. { إذ يرون العذاب } متعلق بترى أو بيرى، كذا قالوا والتحقيق أن إذ مفعول يرى، وأن القوة بدل اشتمال من إذا ومن العذاب، ومفعول ترى، أو يرى على القراءتين، الثانى على أن الرؤية علمية أو الحال على أنها بصرية وهو التحقيق محذوف، أى ولو تراهم لم تنفعهم أندادهم أو ولو يراهم السامع لم ينفعهم أندادهم، أو ولو يراهم الرائى لم تنفعهم أندادهم، وإذا جعلنا الذين فاعل يرى فالتقدير ولو يرى الذين ظلموا أندادهم، لم تنفعهم. وجواب لو محذوف ناصب لقوله { أن القوة لله جميعا } على قراءة يرى بالتحتية، مع جعل الذين فاعله تقديره لعلموا { أن القوة لله جميعا } ولا يملك غيره نفعا ولا ضرا، ويحتمل أن يكون { أن القوة لله جميعا } مفعول ليرى التحتية، والذين فاعله، وجواب لو محذوف تقديره ولو يرى الظالمون، أى يرون العذاب أن القوة لله جميعا لندموا عن عبادة الأنداد من حيث أنها لم تتأهل للعبادة، وأنه لا قوة لها تنفعهم بها أشد الندم، أو لعلموا أنه لا قوة للأنداد، أو أنها لا تنفع، وأما الجواب على قراءة ترى بالفوقية فتقديره لرأيت أمرا عظيما، وأما على التحتية وجعل الفاعل ضمير الرائى أو السامع فتقديره لرأى أمرا عظيما، وإن قلت فما العامل فى قوله { أن القوة لله جميعا } فى قراءة المثناة، وفى قراءة التحتية مع جعل الذين مفعول به؟ قلت يجعل معمولا للجواب المحذوف على التعليل، أى لرأيت أمرا عظيما، لأن القوة لله جميعا أو لرأى أمرا عظيما، لأن القوة لله جميعا، ويجوز على الأوجه كلها، وقراءة التحتية والفوقية جعله بدل إضراب انتقالى من العذاب، أى إذ يرون أن القوة لله جميعا، لأنهم يرون ذلك يوم القيامة، أو بدل اشتمال، لأن كون القوة لله جمعيا له اتصال بتعذيبه الكفار، وليس بعضه، و { إذ } فى الآية للاستقبال بدليل المضارع بعدها، ويجوز أن تكون للمضى على أصلها مجاز التحقق الوقوع كأنهم قد رأوا أنهم سيرون، ويرون كذلك مستعمل فى معنى الماضى المجازى كذلك، وقرأ ابن عامر يرون بالبناء للمفعول، فتكون الواو على قراءته مفعولا أولا نائبا عن الفاعل، والعذاب مفعولا ثانيا، وذلك من الإرادة البصرية المتعدية لاثنين بالهمزة، أى إذا أراهم الله العذاب. { وأن الله شديد العذاب } عطف على أن القوة لله جميعا فى جميع أوجهه. وقرأهما يعقوب بكسر إن على الاستئناف، أو إضمار القول، ويقدر الجواب قبلهما، ويجوز أن يقدر بعدهما على أنهما معترضان، والقول يقدر جملة مستأنفة أو معترضة أو حالا، أو يقدر مفردا حالا، أى يقولون وقائلا أنت أو ذلك الرائى أو جمعا، أى قائلين أو يقدر جملة جوابا للرائى لقالوا { أن القوة لله جميعا } وهذا الوجه الأخير على أن الذين فاعل يرى بالتحتية، وجميعا حال من الضمير الاستقرارى المستتر فى قوله { لله } لا توكيد للقوة خلافا لابن عقيل، إذ أجاز التوكيد به، ولو غير مضاف لضمير مؤكد، ويجوز أن تكون لو للعرض، ويجوز أن تكون للإيقاع للتمنى.

وإن قلت فهل يجوز أن يقدر ولو ترى الذين ظلموا يا محمد إلخ، لعلمت أن القوة لله جميعا أو أن الأنداد لا تنفع أو نحو ذلك؟ قلت لا يجوز لأنه يوهم أنه لا يعلم ذلك قبل يوم القيامة، وليس كذلك، اللهم إلا أن يكون الخطاب له، والمعنى لمن يصح أن يخاطب بذلك، ثم إنه يجوز تقدير الرؤية فى الدينا، أى ولو ترى فى الدنيا وقت رؤيتهم العذاب، أو حالهم إذ رأوا العذاب فى الآخرة لرأيت أمرا عظيما على إذ مفعول ترى أو مفعوله محذوف تقديره حالهم، كما رأيت أو ولو يرى الرائى أو السامع أو الذين ظلموا فى الدنيا حالهم، إذ رأوا العذاب فى الآخرة أو رأوا فى الدنيا، وقت يرون العذاب فى الآخرة، لعلم أو لعلموا أن القوة لله جميعا إلخ، أو أن الأنداد لا قوة لها أو لاتنفع، ويجوز كونها فى الآخرة، أى لو كان هذا الوقت وقت الآخرة، أو حصرت الآخرة فى الدنيا، وترى الذين ظلموا، أو ير الذين ظلموا وقدر بعضهم ولو يرى الذين ظلموا أنفسهم حين اليوم رأوا العذاب فى الآخرة، وعن الحسن كان الكفار فى الدنيا غافلين عن عزة الله وقوته وشدة عذابه.

[2.166]

{ إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا } إذ بدل من إذا، وتبرأ بمعنى تباعد، والذين اتبعوا بالبناء للمفعول وهو الأول هو الرؤساء المطاعون، والذين اتبعوا بالبناء للفاعل وهو الثانى هم الأتباع المطيعون لهم، المقلدون لهم، ومعنى تباعد الرؤساء عن الأتباع تنزههم عنهم، وإنكار أن يكونوا قد أضلوهم، وقولهم قد ضلوا بأنفسهم لا بأمرنا وتزيننا بعد أن يقول الأتباع أضلنا الرؤساء، وذلك إذا أنزل العذاب يوم القيامة، وعجزوا أن يدفعوه عن أنفسهم، فضلا عن غيرهم، وقيل الذين اتبعوا بالبناء للمفعول هم الشياطين، والذين اتبعوا بالبناء للفاعل هم الإنس المتبعون للشياطين، وقرأ مجاهد ببناء الأول للفاعل والثانى للمفعول، أى تبرأ الإتباع من الرؤساء أن يكونوا على صواب، وأن يكونو أهلا أن يتبعوا. { ورأوا العذاب } أى الذين اتبعوا والذين اتبعوا جميعا، والجملة حال من الذين اتبعوا أو من الذين اتبعوا، أو منها على تقدير قد، وقيل لا يلزم تقدير قد بناءا على جواز مجئ الفعلية الماضوية المصرفة الفعل المثبتة الفعل حالا، وقيل الجملة معطوفة على تبرأ الذين اتبعوا. { وتقطعت بهم الأسباب } الباء بمعنى عن، والهاء للذين اتبعوا والذين اتبعوا، والأسباب الوصل التى كانت بينهم فى الدنيا من الأرحام والمودة والصحبة والأعمال التى كانت بينهم فى الدنيا خارجة عن الدين، متضادين بها عليه، والعهود والأيمان التى بينهم على الكفر سميت أسبابا تشبيها بالجبال التى يتوصل بها إلى الشئ، فاستعير لها اسم الحبال وهى الأسباب، وقيل أصل السبب الحبل الذى يرتقى به الشجر، وقرئ تقطعت بالبناء للمفعول، وتقطعت بهم الأسباب معطوف على تبرأ الذين اتبعوا، أو حال على حد ما مر فى رأوا العذاب، أو حال من الواو فى رأوا العذاب، وجاز العطف على رأوا وعطفه على تبرأ الذين أولى من الحال، والعطف على رأوا والحال فى رأوا أولى من العطف، قال السعد لأن العطف فى رأوا يؤدى إلى إبدال إذا رأوا العذاب، من إذ يرون العذاب، وليس فى ذلك فائدة كبيرة بأن ما عطف على مدخول إذا كأنه مدخول لها، ولأن الاستعظام الحقيقى والاستقطاع هو تبرؤهم فى حال رؤية العذاب لا حال رؤيته، وأما تقطع ما بينهم من الأسباب والوصل فمستقل للاستعظام والاستقطاع، وليس تبعا للتبرؤ.

[2.167]

{ وقال الذين اتبعوا } أى اتبعوا الرؤساء أو الشياطين. { لو أن لنا كرة } رجعة إلى الدنيا. { فنتبرأ منهم } أى من الرؤساء أو الشياطين فى الدنيا. { كما تبرءوا منا } اليوم، وقرأ مجاهد وقال الذين اتبعوا بالبناء للمفعول، وهم الشياطين، أو الرؤساء، ومنهم من الأتباع وذلك لإقراء إذ تبرأ الذين اتبعوا بالبناء للفاعل من الذين اتبعوا بالبناء للمفعول، ولو للتمنى بدليل نصب المضارع فى جوابه بعد فاء السببية، وهو نتبرأ. قال ابن هشام المصرى وهو الذى أكثر ذكره اختلف فى لو هذه، فقال ابن الصائغ وابن هشام يعنى ابن هشام الأندلسى الخضراوى هى قسم برأسها لا تحتاج إلى جواب كجواب الشرط، لكن يؤتى لها بجواب منصوب كجواب ليت. وقال بعضهم هى لو الشرطية أشربت معنى التمنى بدليل أنهم جمعوا لها بين جوابين، جواب منصوب بعد الفاء، وجواب بعد اللام كقوله

فلو نبش المقابر عن كليب فيخبر بالذنائب أى زير بيوم الشعتمين لقر عينا فكيف لقاء من تحت القبور

Unknown page