" لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم "
الحديث وأدلة اللعن على الصفة والعموم أدلة على جواز لعن المعين على فسقه أو شركه، لوجود علة اللعن فيه، بل قد لعن فاسقا معينا، كما لعن مشركا معينا، كما مر، وزعم قومنا أنه لا يلعن الفاسق معينا، وجاز لعن المشرك معينا، وزعم بعضهم أنه لا يلعن الفاسق ولا المشرك على التعيين، لأنه لا يدرى لعله يموت على الوفاء والإسلام، واستدلوا بقوله تعالى { وماتوا وهم كفار } ، وليس كذلك للعنه، صلى الله عليه وسلم، آحادا معينين، ولأن قوله { وماتوا وهم كفار } ، بيان لسعة باب التوبة، وأما الحكم فعلى الظاهر الحالى والغيب يعلمه الله، وإذا ظهر الغيب رجعنا إليه وقرأ الحسن والملائكة والناس أجمعون بالرفع عطفا على محل اسم الجلالة، لأنه فاعل للمصدر الذى هو لعنة، أو يقدر وتلعنهم الملائكة والناس أجمعون.
[2.162]
{ خالدين فيها } أى فى اللعنة أو فى النار المدلول عليها باللعنة ولو لم تذكر، لأن اللعنة تستلزمها، ولتفخيم شأنها وتهويله بحيث تعلم ولو لم يجر لها ذكر، ويدل لذلك قوله { لا يخفف عنهم العذاب } عذاب النار طرفة عين على ما مر. { ولا هم ينظرون } يؤخرون لتوبة أو معذرة من النظر بمعنى الإمهال، ويجوز أن يكون المعنى لا ينظرهم الله نظرة رحمة، ومنه قوله تعالى لا ينظر إليهم لا يرحمهم، وليس النظر بالعين والنظر المتجوز منه إلى معنى الرحمة مخصوصين بإلى إلا شاذا فى ضرورة كما قيل، بل ورد تعديهما بإلى ولو نثرا.
[2.163]
{ وإلهكم إله واحد } لا إله معه يستحق أن يسمى إلها، أو أن يعبد ولا قائل كقوله، ولا فاعل كفعله، ولا موصوف بصفته، ولا تركيب لذاته ولا جزء لا يوصف ببساطة ولا تركيب، والخطاب عام لجميع العقلاء أو لمن أنكر وحدانية الله سبحانه وتعالى من العرب، ويدخل كل منكر لها وكل مصدق لها بالمعنى، وأعاد لفظ إله للتأكيد إذ كان يكفى أن يقال وإلهكم واحد، ولا شك أن فى قولك سيدكم سيد واحد ما ليس فى قولك سيدكم واحد. { لا إله إلا هو } تقرير وتأكيد للوحدانية الى صرح بها قوله تعالى { وإلهكم إله واحد } ، ودفع لما يتوهمه معاند من الكلام أن فى الوجود من يسمى إلها لا يستحق العبادة، لأن معنى قوله تبارك وتعالى { وإلهكم إله واحد } ومعبودكم معبود واحد فدفع ذلك التوهم بقوله عز وجل { لا إله إلا هو } أى لا مسمى بهذا الإسم المشعر بوجود العبادة إلا هو. { الرحمن الرحيم } مولى جلائل النعم ودقائقها، وتقدم تفسيرهما، وكل نعمة منه، ونعمة عمت الخلق كله الحيوان والجماد وكل مخلوق، ثم إن بعض مخلوقاته أيضا أنعم به على بعض، وإذا ثبت أن كل نعمة منه، وأن نعمته عمت المخلوقات، وأن بعضها منعم به أيضا، وبعضها منعم عليه، فلا يستحق عبادة المخلوقات إلا الذى أنعم عليها، فقوله { الرحمن الرحيم } حجة على وجوب العبادة التى تضمنها قوله جل وعلا { وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو } ، وأخرج أبو داود والترمذى، وقال الترمذى حديث صحيح عن أسماء بنت يزيد، قالت
" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " اسم الله الأعظم فى هاتين الآيتين { وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم } وفاتحة آل عمران { الله لا إله إلا هو الحى القيوم } "
وذكر أبو حامد أن قوله تعالى { وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم } مع قوله تبارك وتعالى
ويشهد الله على ما فى قلبه وهو ألد الخصام
ينفع من وجع الثديين، وإن قلت كيف يصح أن يكون هو بدلا من إله وقد تخالفا سلبا وإيجابا؟ قلت النفى فى إله منتقض بإلا بالنسبة إلى قوله هو فهو معتبر فى هو منتقضا، فاتفقا فى النفى بإلا مثلا، هو إثبات فقد اتفقا إثباتا. وإن قلت فكيف يكون الرحمن الرحيم صفتين لقوله هو والضمير لا يوصف؟ قلت أجاز الكسائى وصفه وليس متعينا ، والصحيح أنه لا يوصف بأن الرحمن الرحيم خبران لمحذوف، أى هو الرحمن الرحيم، أو خبران آخران لقوله { إلهكم } أو الرحمن خبر آخر أو لمحذوف. والرحيم صفته على أنه علم، والصحيح أنه صفة كالرحيم، قال ابن هشام جوز الكسائى نعت الضمير إن كان لغائب والنعت لغير توضيح نحو
Unknown page