" سن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عشر سنن فى الإنسان خمس فى الرأس، وخمس فى الجسد، فاللواتى فى الرأس فرق الشعر، وقص الشارب، والسواك، والمضمضة، والاستنشاق. واللواتى فى الجسد نتف الإبطين، وتقليم الأظفار، والاستحداد، والختان والاستنجاء "
لأن المراد بقوله سنهن أنه اتخذهن سنة تبعا لإبراهيم بالوحى، أو أظهر للناس أنهن سنة إبراهيم، أو لما اندرسن وظهرن على يده كان كالمستفيد بهن. وعن أبى هريرة سمعته صلى الله عليه وسلم يقول
" الفطرة خمس، وفى رواية خمس من الفطرة الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط "
رواه البخارى ومسلم. وعن عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" عشرة من الفطرة قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، والاستنشاق بالماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتفاض الماء. قال مصعب ونسيت العاشرة، إلا أن تكون المضمضمة "
رواه مسلم، وانتفاض الماء الاستنجاء، قاله وكيع، والفطرة السنة، وقيل الملة وقيل الطريقة. ومذهبنا وجوب ذلك إلا السواك، وغسل البراجم وهى العقدة التى فى رءوس الأصابع، فإنه يجتمع فيها الوسخ ويشين المنظر، فإن منع من وصول الماء فى الوضوء وجب غسلها أو إزالة وسخها بشئ، وهن واجبات على إبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم، وعلة المضمضة والاستنشاق تكفير ذنوب الفم والأنف وتنظيفهما من طعام ووسخ، والسواك للتنظيف ولما شاء الله، وقص الأظفار للتنظيف والجمال، ولما شاء الله وكذا حلق العانة ونتف الإبط والاستنجاء، وفيه إزالة النجس، وأما الختان فلتنظيف القلفة عما يجتمع فيها من البول وهو واجب عندنا، وعند الشافعى، بدليل أن فى الختان انكشاف العورة ولا يباح ذلك إلا لوجوب الختان، فإن المراهق والبالغ يختن له أيضا، فدل على وجوبه لما أبيح فيه الانكشاف، وقال مالك سنة غير واجبة، وكذا حكى عن غيره وأول من اختتن سيدنا إبراهيم عليه السلام، أمره الله تعالى بالاختتان فاختتن بالقادوم، بالألف قبل الدال وبإسقاطها، وهى آلة غليظة معروفة، فتألم فأوحى الله إليه أنك تعجلت قبل أن نخبرك بآلة الختن، وقيل هى لموسى بالقدوم بتشديد الدال وإسقاط الألف قبلها، وهو على هذه الرواية اسم موضع والباء عليها ظرفية. وفى صحيح البخارى اختتن وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم، رواه الشيخ هود رحمه الله مرفوعا، وأخرج مالك فى الموطأ، عن يحيى ابن سعيد بن المسيب، يقول كان إبراهيم أول من أضاف الضيف، وأول من قص شاربه، وأول من رأى الشيب فى شعره، قال يا رب ما هذا قال وقار. قال يا رب زدنى وقارا، فأصبحت لحيته كلها بيضاء، وإعفاء اللحية إكثارها بترك القص والحلق منها، وكانت الأعاجم إلى الآن توفر الشارب وتقص اللحية أو تحلقها، وهو عكس الجمال والنظافة، وعن ابن عباس الكلمات هن مناسك الحج كالطواف والسعى والرمى، والإحرام والوقوف بعرفة، وقال مجاهد هن ذلك، وشأن المقام.
وقال الحسن البصرى فى تفسير الكلمات المذكورة فى الآية ابتلاه الله بالكوكب والقمر والشمس، فحبس نفسه فى ذلك وعلم أن الله دائم لا يزول، فوجه وجهه للذى فطر السموات والأرض حنيفا، ثم ابتلاه بالنار فصبر، ثم بالهجرة فخرج عن بلاده، وهى العراق، وقومه حتى لحق بالشام مهاجرا إلى الله، وبذبح ابنه فصبر، وبالختان على كبر سنه فصبر على ذلك كله، قبل كان الابتلاء بالكلمات قبل النبوة، وقيل بعدها وهو الصحيح لأن التكليف بهن إنما يعلم بالوحى، وبه تجب شرائع الدين، واستدل للأول بقوله تعالى { قال إنى جاعلك للناس إماما } لأن جعله إماما مسبب عن إتمامهن، والسبب يتقدم على المسبب، ويبحث بأنه ليس فى اللفظ ما يدل على السببية، وبأنه لا مانع من جعله إماما للناس كلهم بعده بعد النبوة بكثير، ولاشك أن الابتلاء بالكوكب والقمر والشمس قبل النبوة، ولئن سلمنا فلا مانع من أن يبتلى قبل النبوة وقبل البلوغ وبعدهما، فيتم له الوفاء بهن جميعا بعد النبوة، فيكون الوفاء ببعض قبلها وببعض بعدها، فكان جعله للناس إماما بسبب إتمامهن، ولا مانع من جعل الجملة سببية بلا أداة سبب. ونص البخارى على أنه قال الراوى بعد ذكر الاختتان فأوحى الله إليه إنى جاعلك للناس إماما والفاء يتبادر منها السببية ويناسب السببية وجه تعليق، إذ يقال لأنه يتبادر السببية كثيرا فى مثل قولك أكرمته إذ جاءنى أن المجئ سبب للإكرام، ولا يتعين ذلك كما مر، لأنه يجوز جعل قوله قال مستأنفا عن إذ، وعليه فتكون الجملة جواب سؤال مقدر كأنه لما قال فأتمهن، قيل فماذا قال له ربه، أو بم جازاه؟ فأجاب بقوله { قال إنى جاعلك لناس إماما } وضمير قال عائد إلى الله تعالى، وروى أن إبراهيم لما أتم هذه الكلمات أو أتمها الله عليه كتب الله له البراءة من النار، وإذا علقنا إذ يقال فالمجموع معطوف على ما قبله أو مستأنف، ويجوز أن يكون قوله { قال إنى جاعلك للناس إماما } بمعنى تفسيرا وتبيينا لقوله ابتلى فتكون الكلمات الإمامة، وتطهير البيت، ورفع القواعد، والإسلام والإمام فعال بمعنى مفعول، لأنه بمعنى من يؤتم به، أو يقتدى به، فأصله أن يقال فيه مأموم، أى متبوع، وأما إطلاق المأموم على من يصلى مثلا صلاة الإمام فمن حيث أنه صار ملزوما باتباع الإمام، ولفظ الإمام كلفظ الإله، فإنه بمعنى مألوه، والإزار فإنه بمعنى ما يؤتزر به، وإمامة إبراهيم عامة موبدة، لأنه لم يبعث بعده نبى إلا كان من ذريته مأمورا باتباعه فى الخير وسننه.
{ قال } إبراهيم. { ومن ذريتى } متعلق بمحذوف وجوبا مفعول ثان لمحذوف، والأول محذوف أيضا، أى قال واجعل من ذريتى أئمة، ولا مانع من أن يكون المعطوف من كلام غير المتكلم بالمعطوف عليه، ويجوز تعليقه بمحذوف نعت لمعطوف على كاف جاعلك، ويقدر مفعول ثان، والأول هو المعطوف، وذلك من العطف على معمولى عامل واحد، أى وقوما ثابتا من ذريتى أئمة، بنصب قوما عطف على محل النصب من الكاف، أو بجره عطفا على محل الجر ومنه ولو لم يعد الجار لأنه قد يرد العطف بلا إعادة، ولا سيما مع وجود الفصل، وكون الإضافة فى نية الانفصال، كما هنا. ولك تقدير الجار أيضا أى وجاعل قوم من ذريتى أئمة، ومن قال من التبعيضية اسم عطفها على الكاف، وقدر مفعولا آخر أيضا، أى وبعض ذريتى أئمة بنصب بعض، وجره كذلك، وأما أئمة فبالنصب لا غيره، كما يقال لك أطعمك، فتقول وأهل بيتى، تريد أن يقال لك أطعمك وأهل بيتك، وتشير للقائل أن يفعل ذلك، ولذا يسمى مثل هذا عطف التلقين، ولك وجه آخر هو أن يكون العطف على محذوف، هكذا قال يا ربى اجعلنى إماما واجعل من ذريتى أئمة والذرية النسل تضاف للأب وتضاف للأم بوزن فعلية بضم الفاء وكسر العين مشددة وإسكان الياء وتخفيف اللام بعدها فالأصول الذال وإحدى الرائين وهى الأولى على الصحيح، وإحدى اليائين وهى الثانية على الصحيح، وقيل الأصل الياء الأولى وعلى هذا، فوزنه فعلية بضم الفاء وكسر العين المشددة وإسكان اللام وتخفيف الياء، وقيل وزنه فعوله بضم الفاء والعين المشددة وإسكان الواو وتخفيف اللام والأصل ذرورة بضم الذال والراء المشددة، وإسكان الواو وتخفيف الراء بعدها ففيه ثلاث راءات، راءان قبل الواو بتشديد، وأخرى بعدها، قلبت التى بعد الواو ياء، فاجتمعت الواو والياء وسكنت السابقة منهما، فقلبت الواو ياء وأدغمت فى الياء بعدها، وكسرت الراء المشددة قبلها لتناسب الياء، وهو من الذر بمعنى التفريق، ومن ذلك قول العرب تقضى البازى بفتح التاء والقاف والضاد المشددة والأصل تقضى بثلاث ضادات قلبت الثالثة ألفا، وقيل وزنه كهذا القول لكن لامه واو أصله ذرووة قلبت الواو الثانية تخفيفا فاجتمعت الواو والياء، وسكنت السابقة، فقلبت ياء، وأدغمت فى الياء، وكسرت الراء لتجانس الياء، وقيل وزنه كذلك لكن لامه ياء أصله ذروية، اجتمعت الواو والياء وسكنت السابقة، فقلبت ياء وأدغمت في الياء، وكسرت الراء للتجانس، وقيل وزنه كذلك لكن لامه همزة، أصله ذروة قلبت الهمزة ياء واجتمعت الواو والياء، فعمل ما ذكرته، وقيل وزنه فعلية بضم الفاء وكسر العين وإسكان الياء وتخفيف اللام، لكن لامه همزة، وأصله ذرية قلبت همزته ياء وأدغمت فيها الياء من الذرء بمعنى الخلق، قيل وزنه فعلية كالقول الأول، لكن لامه راء وأصله ذريرة بتشديد الراء الأولى، قلبت الثالثة ياء وأدغمت فيها الياء قبلها كما مر أنه يقال فى تفضض تقضى، فهذه ثمانية أقوال، وقيل إنها أوجه محتملة، وقيل لغات، وإذا اعتبرت الثمانية فى اللام والتصريف كما ذكرت واعتبرت ثلاثة أوجه فى الذال الضم والكسر وقد قرئ بهما والفتح، وضربت الثلاثة فى الثمانية تحصل أربعة وعشرون.
{ قال } الله له. { لا ينال عهدى } أى الإمامة، قاله مجاهد، وقيل النبوة، وسميتا عهدا لأنه تعالى قد قضاهما وعلم بهما، ووجبتا فى الحكمة وألزم الإقامة بهما، وسكن حفص وحمزة ياء عهدى. { الظالمين } أى نعم أجعل من ذريتك أئمة، لكن لا ينال الإمامة من كان ظالما منهم، لأن الظالم لا يصلح لها لأن الإمامة إنما هى للعدل بين الناس وإرشادهم، والظالم غير عادل فكيف يقطع به الجور، فكل من نصب إماما جائرا أو قاضيا جائرا أو واليا جائرا على بلد، وولى إنسانا جائرا على قليل من الناس أو كثير، ولو لغسل الأموات أو تعليم الصبيان، فقد خالف ما تدل عليه الآية من أنه لا يجوز أن يجعل الظالم قدوة فى أمر الشرع، أو فى شئ من الحقوق، فكيف يكون قدوة من لا تجوز شهادته، ولا يقدم للصلاة، ومن نصبه فعليه من الوزر مثل ما على ذلك الظالم مما فعل من الجور فيما نصبه له، وجاء فى المثل السائر من استرعى الذئب ظلم. قال ابن عيينة لا يكون للظالم إماما قط، وكيف يجوز نصبه للإمامة والإمام إنما هو لكف الظلمة. وكان أبو حنيفة يفتى سرا بوجوب نصرة زيد بن على، وحمل المال إليه والخروج معه على من تسمى بإمام، وليس للإمامة أهلا مثل الدوانيقى. وقالت له امرأة أشرت على ابنى بالخروج مع إبراهيم بن عبدالله بن الحسن وأخيه محمد بن عبدالله بن الحسن حتى قتل. فقال ليتنى مكان ابنك، وكان يقول فى المنصور وأشياعه لو أرادوا بناء مسجد وأرادونى على عد أجره لما فعلت. وفى الآية دليل على أنه قد يكون من ذرية إبراهيم عليه السلام ظلمة ودلالة على أن الإمامة إنما يتأهل لها البررة الأتقياء، ودلالة على عصمة الأنبياء من الظلم ونحوه من الكبائر قبل البعثة كما بعدها، لأنه قد نالهم عهد الله وهو الإمامة، فعلمنا أنهم غير ظالمين، والمانع يقول إنه لا مانع من أن يكون الإنسان ظالما، ثم يكون برا تقيا إماما، وهذا كثير لكن لا أقول به فى الأنبياء، وإذا أمر ذو الإمامة الكبرى على معصية لا احتمال فيها فليس بإمام ولا طاعة له على الناس، لا كما زعم قومنا، ويجوز أن يراد بالظالمين كل ظالم بحيث يشمل الظالم من ذرية إبراهيم وغيره، ويجوز أن يكون المعنى لا أجعل الظلمة أئمة يقتدى بهم فى الظلم، والمراد بالظلم مطلق الظلم، ظلم النفس، وظلم الغير. وعن مجاهد لا عهد لظالم فى ظلم يأمرك به أن تطيعه فيه. قال الشيخ هود رحمه الله وقول مجاهد عدل صحيح، وقال بعض ينقطع عهد الظالمين يوم القيامة، وأما فى الدنيا فقد نالوا عهد الله، يعنى بذلك المنافقين. قال وارثونا بالعهد الذى أقروا به للمسلمين، ناكحوهم فإذا كان يوم القيامة صير الله عهده وكرامته على أوليائه وأهل طاعته الذين أوفوا بعهده وأكملوا فرائضه، وقرئ الظالمون على الفاعلية، لأن من ناله العهد فقد نال العهد.
[2.125]
Unknown page