فتكتب شهادة فى أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة وقال أبو عبيدة حدثنا حجاج، عن شعبة، عن الحكم بن عتيبة، عن عدى بن عدى قال قال عمر كنا نقرأ إلا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم، ثم قال لزيد بن ثابت أكذلك؟ قال نعم. وقال حدثنا ابن أبى مريم، عن نافع بن عمر الجنحى حدثنى أبى بن أبى مليكة، عن المسور بن محرمة قال قال عمر لعبد الرحمن بن عوف ألم تجد فيما أنزل علينا جاهدوا كما جاهدتم أول مرة فأنا لا نجدها. قال أسقطت فيما أسقط من القرآن، وقال حدثنا ابن أبى مريم، عن أبى لهيعة، عن زيد بن عمر والمغافرى، عن أبى سفيان الكلاعى، أن مسلمة بن مخلد الأنصارى قال لهم ذات يوم أخبرونى بآيتين من القرآن لم تكتبا فى المصحف؟ فلم يجبروه وعندهم أبو الكنود سعد بن مالك، فقال مسلمة إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ألا أبشروا وأنتم المفلحون. والذين آووا ونصروهم وجادلوا عنهم القوم الذين غضب الله عليهم أولئك لا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون. وأخرج الطبرانى فى الكبير
" عن ابن عمر قال قرأ رجلان سورة أقرأهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانا يقرآن بها، فقاما ذات ليلة يصليان فلم يقدرا منها على حرف، فأصبحا غاديين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له فقال إنها مما نسخ فالهوا عنها ".
وفى صحيح البخارى ومسلم عن أنس فى قصة أصحاب بئر معونة الذين قتلوا وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على قاتليهم قال أنس ونزل فيهم قرآن قرأناه حتى رفع بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضى عنا وأرضانا.
وروى الحاكم فى المستدرك عن حذيفة ما تقرأون ربعها يعنى براءة. قال أبو الحسن عن المنادى ومما رفع رسمه من القرآن ولم يرفع من القلوب حفظ سورتا القنوت فى الوتر وتسميان سورتى الحفد والخلع، وعن عمر رضى الله عنه لولا أن يقول الناس زاد عمر فى كتاب الله لكتبتها، يعنى آية الرجم. قال الزركشى فى البرهان ظاهره أن كتابتها جائزة وإنما منعه قول الناس، والجائز فى نفسه قد يقوم من خارج ما يمنعه، وإذا كانت جائزة لزم أن تكون ثابتة، لأن هذا شأن المكتوب، وقد يقال لو كانت التلاوة باقية لبادر عمر ولم يعرج على مقالة الناس، إذ لا تصلح مانعا وبالجملة فهى ملازمة مشكلة، ولعله كان يعتقد أنه خبر واحد، والقرآن لا يثبت به وإن ثبت الحكم ومن هنا أنكر ابن ظفر فى الينبوع عد هذا مما نسخ تلاوته، قال لأن خبر الواحد لا يثبت القرآن، قال وإنما هذا من النساء لا من النسخ وهما مما يلتبسان، والفرق بينهما أن المنسا لفظة قد يعلم حكمه، وقوله لعله كان يعتقد أنه خبر واحد مردود، فقد صح أنه تلقاها من النبى صلى الله عليه وسلم، أخرج الحاكم من طريق كثير بن الصلت كان زيد بن ثابت وسعيد بن القاضى يكتبان المصحف فمرا على هذه الآية، فقال زيد
" سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة، فقال عمر لما نزلت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقت أكتبها فكأنه كره ذلك، فقال عمر ألا ترى الشيخ إذا زنى ولم يحصن جلد، وأن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم "
قال ابن حجر فى شرح البخارى يستفاد من هذا الحديث السبب فى نسخ تلاوتها لكون العمل على غير الظاهر من عمومها، ويحتمل أن يكون مراد عمر لكتبتها منبها على أن تلاوتها قد نسخت، ليكون فى كتابتها الأمن من نسيانها، لكن قد تكتب بلا تنبيه فى بعض المصاحف غفلة من الناسخ، فيقول الناس زاد فى كتاب الله فترك كتابتها بالكلية دفعا لأعظم المفسدتين بأخفهما، قال السيوطى وخطر لى فى ذلك نكتة حسنة وهو أن سببه التخفيف على الأمة بعدم إشهار تلاوتها وكتابتها فى المصحف، وإن كان حكمها باقيا، لأنه أثقل الأحكام وأشدها وأغلظ الحدود، وفيه الإشارة إلى ندب الستر. وأخرج النسائى أن مروان بن الحكم قال لزيد بن ثابت ألا كتبتها فى المصحف؟ قال لا، ألا ترى أن الشابين الثيبين يرجمان، ولقد ذكرنا ذلك، فقال عمر أنا أكفيكم.
فقال يا رسول الله أكتبنى آية الرجم. قال لا أستطيع. قوله أكتبنى أى ائذن لى فى كتابتها ومكنى من ذلك. وأخرج ابن الضريس فى فضائل القرآن عن يعلى بن حكيم، عن زيد بن أسلم أن عمر خطب الناس فقال لا تشكوا فى آية الرجم فإنه حق، ولقد هممت أن أكتبها فسألت أبى بن كعب فقال ليس أتيتنى وأنا أستقرؤها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فدفعت فى صدرى وقلت أستقرئه آية الرجم وهم يتسافدون تسافد الحمر.. قال ابن حجر وفيه إشارة إلى بيان السبب فى رفع تلاوتها وهو الاختلاف، وقد أنكر أقوام نسخ اللفظ والحكم معا، وأثبتوا نسخ اللفظ وحده والحكم وحده، لأن الأخبار فى نسخهما معها أخبار آحاد، قالوا ولا يجوز القطع على إنزال القرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجة فيها. وقال الرازي نسخ الرسم والتلاوة إنما يكون بأن ينسيهم الله إياه ويرفعه من أوهامهم ويأمرهم بالإعراض عن تلاوته وكتبه فى المصحف، فيندرس على أيام كسائر كتب الله القديمة التى ذكرها فى قوله سبحانه وتعالى
إن هذا لفى الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى
وكلما نسخ فقد نسخ قبل موته صلى الله عليه وسلم ولا نسخ بعده والله أعلم. وفائدة نسخ اللفظ دون الحكم، مع أن فى بقاء اللفظ جمع ثواب العمل والتلاوة أن يظهر مقدار طاعة هذه الأمة فى المسارعة إلى بذل النفوس بطريق الظن من غير استفصال الطلب طريق مقطوع به، فيسرعون بأيسر شئ كما سرع الخليل بذبح ولده، والمنام أدنى طريق الوحى، ومما نسخ لفظه بعض الأحزاب، ولكن لا يدرى حكمه كله. قال أبو عبيدة حدثنا ابن أبى مريم، عن أبى لهيعة، عن أيوب الأسود، عن عروة بن الزبير، عن عائشة قالت كانت سورة الأحزاب تقرأ فى زمان النبى صلى الله عليه وسلم مائتى آية، فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر إلا على ماهو الآن. ويتحصل إنما نسخ لفظه إما معروف الحكم وإما مجهوله، وأن النسخ إما بالوحى وإما بالإزالة من الحفظ ومن الموضع المكتوب فيه، وإما بإنزال ما يخالفه وإما بالاندراس وفى هذا الأخير عندى ضرر، لأنه يكون ممكنا ولو بعد وفاته صلى الله عليه وسلم كما فى الرواية المذكورة آنفا عن عائشة، مع أنه لا نسخ بعده، ولعل ذلك لم يصح عنها، ولأن ذلك ينافى قوله تعالى
وإنا له لحافظون
Unknown page