زار الأمير عشائر العمارات والدليم في مضاربهم، وكان في معيته بعض أولئك الإنكليز أصحابه، وفي مقدمتهم جرترود بل، التي وصفت في إحدى رسائلها ما شاهدت يومئذ وسمعت.
وإني فيما أقص عليك الآن معول على روايتها؛ لأنها صادقة بتفاصيلها - كما علمت بعدئذ من الملك فيصل نفسه - بعد أن وصفت المشهد الرائع ببداوته، وباجتماع قبيلتين من أكبر قبائل العراق، قالت: «وقف الأمير يخطب فيهم بتلك اللهجة الفخمة لهجة الصحراء، وبذلك الصوت الجهوري صوت البدو، فاستحثهم على الاتحاد والتضامن، وذكرهم بما عليهم من الواجبات في رعي العهود والمحافظة على الأمن في البادية، ثم قال: ومن هذا اليوم وهذه الساعة - وقف ها هنا ليسأل تاريخ ذاك اليوم فأجابه أحد الحضور، فأعاد كلامه مؤرخا - إني ولي أمركم ومسئول عنكم، فمن تجاوز حدوده فحسابه عندي. سأقضي بينكم بالعدل في مجالس يحضرها شيوخكم، وهذا حقي عليكم أنا ولي أمركم.»
فسأله شيخ طاعن بالسن: «وحقوقنا؟ أليس لنا حقوق؟!» - «بلى، لكم حقوق، وسأقوم بواجبي في المحافظة عليها.»
وعندما فرغ من خطابه تقدم الشيخ فهد الهذال أمير العمارات، والشيخ علي سليمان أمير الدليم، فوقفا أمام فيصل وقالا: «إننا نبايعك؛ لأن الإنكليز قابلون بك.»
هذا ما أراد الإنكليز أن يسمع الأمير، لولانا ما بايعوك، هذه هي الطعنة التي دبرت من أجلها، بعلم المس بل، تلك الزيارة، فتلقاها الأمير بصدر رحب، هادئ البال، وأدار بوجهه إلى الصديقة الفاضلة وهو يبتسم ابتسامة دقيقة المغزى، ثم قال: «إن علاقتي مع الإنكليز معروفة ولا أحد يشك فيها، وموقفي العربي هو كذلك معروف، إنما يجب علينا أن نصلح شئوننا نحن العرب، ويجب علينا وحدنا أن نحسم كل ما بيننا من خلاف.»
ثم قالت المس بل: «وعندما نظر الأمير إلي النظرة الثانية، رفعت يدي مضمومتين، الواحدة على الأخرى، رمز الاتحاد بين العرب والحكومة البريطانية، إنه لمشهد رائع؛ مشهد اثنين من كبار رجالات العرب لعبا دورا خطيرا في تاريخ عهدهما
10
وفيصل بينهما، أشرف مثال حي لشعبه
11
ونحن الإنكليز حلقة الوصل!»
Unknown page