سألت الملك فيصل رأيه في الحادث، وأطلعته على ما جاء في رسالة المس بل التي لم يكن عالما بها، فقال: «أحسنت المس بل فيما كتبت، وأساءت فيما فعلت، رحمها الله.» وما زاد كلمة على هذا.
وسألت أديبا من أدباء إنكلترا بعد أن قصصت الخبر عليه، فقال: «لا عجب، إن ابتهاجها بكوننا نحن الإنكليز حلقة الوصل بين الملك والقبائل أنساها كل شيء آخر، ولا أظنها فكرت في تلك الساعة بالأمير فيصل كرجل يكرم أو يهان، بل كرمز لمجد الإنكليز لا غير.»
رحم الله المس بل؛ فقد كانت - على ما تزاحم في حياتها من الأضداد - أول العاملين في سبيل فيصل، المخلصين له في تلك الأيام، ولا أظن أن أحدا في دار الانتداب كان أشد منها سرورا بنجاح الاستفتاء ذلك النجاح الباهر؛ فقد حاز الأمير ستة وتسعين صوتا من كل مائة من أصوات الأمة.
وجاء يوم التتويج، وصدق المثل العربي في المستر تشرشل الذي له في كل عرس قرص؛ فقد استمر يقلب في فكره «البناء الإنكليزي ذا الوجه العربي» وهو حائر في أمره؛ فيقرر في الصباح صحته كاملا، وفي الأصيل صحة نصفه، وفي المساء فساده كله، وفقا لمهب الرياح حول الدولاب السياسي في لندن وجنيف، ولكنه أرسل في الساعة الأخيرة برقية مصعقة - هي الصاعقة بعينها - ولا يعلم غير الله ما كانت تحدث في الحفلة، بل في العراق، لو لم تسقط بموضع غير موصل في دار الانتداب.
قال المستر تشرشل في برقيته: «من الواجب على فيصل أن يعترف في خطبة التتويج أن السلطة العليا في البلاد هي دار الانتداب البريطاني.»
أقيمت الحفلة في باحة السراي (في 23 آب 1921) وكان فيصل في خطبته عراقيا وطنيا، وعربيا قحا؛ فما فاه بكلمة تشير، حتى إشارة، إلى «السلطة العليا» أو إلى الانتداب، إنما حصر كلامه بالمعاهدة التي ستعقد بين العراق وبريطانيا، وتعهد بأن يرعاها، فيدخلها في صلب الدستور الذي سيسنه المجلس.
فهتف الناس: «عاش الملك فيصل ملك العراق.»
وهمس إبليس في أذن الزمان: «عاش المستر تشرشل.»
لقد انتهت الحرب، وما انتهى القتال.
الجو المكفهر
Unknown page