149

لبيد : ألا كل شيء ما خلا الله باطل» (1).

ومن وافى بالعهد سمي محبا ، ( فإن الله يحب المتقين ).

( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ) من مال إلى حضرة الدنيا وأثرها على رؤية مشاهدة حضرة الحق ، وزين ظاهره بعبادة المقربين ، ويبيعها بحظ الرياسة ، فقد سقط عن رؤية اللقاء مخاطبة الحق في الدنيا والآخرة.

( ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ) أي : ليس من يختص بقربة الحق وكشف مشاهدته أن يلتفت سره إلى رياسة الخلق وحرمتهم له ، وأن يرى لنفسه قيمة عند إجلال عظمة الحق ؛ لأن من بلغ تحقيق التوحيد لا يرى لنفسه وزنا عندما يبدو من تجلي عظمة الحق ، ويكون خجلا على الدوام بين يدي الرحمن من وجوده عند وجود الحق ، ويريد فناء وجوده استحياء من ربه تعالى ، ولكن ما رأى نعم الله تعالى من كشف جماله وقرب وصاله ، وتعرفه بالجلال والعز والكبرياء والعظمة والقهر واللطف أشفق على الخلق ، ويدعوهم إلى عبادته وطالب مرضاته ، وهذا معنى قوله تعالى : ( ولكن كونوا ربانيين )، ومعنى كونوا ربانيين أمر من الحق تعالى لأنبيائه وأوليائه أي : كونوا موصوفين بصفته كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «تخلقوا بأخلاق الرحمن» (2)، وهذا وصف من كساه الله سنا قدس جمال الأزلي ، وجلال الأبدي قبل كون طينة البشر ، فكان منورا بنور صبح القدم ، إذ الأشباح والأجسام في العدم ، فإذا سكن الأرواح في ظلم الهياكل خاطبهم الانبساط ، فقال : لا تنسبوا إلى الماء والطين ، ولكن انتسبوا إلى الحق بنعت المحبة والمكاشفة والمشاهدة والاتصاف بصفقاته ، والتربية في حجر وصاله ، وكونهم بأفعاله الخاصة بالذاتية القدمية ، وليس هؤلاء كمن كان كونه بالأمر ؛ لأن الأمر للعوام ، والفعل للخواص ، مع أن الحق جل من الأشكال والأشباه ، والخيال والأوهام والأفهام ، والجزء والكل ، والتبعيض والصور ، والأزمان والمكان ، تعالى كبرياؤه وجلت صفاته ، قوله : ( بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ) أي : لكم خاصة علم اللدني ، وعلم الكتاب والسنة والشريعة ، بها يلزم عليكم الخروج عن رسم الإنسانية ، وأوصاف البشرية.

وقال جعفر الصادق : في قوله تعالى : ( كونوا ربانيين ) قال : مستمعين بسمع القلوب ، وناظرين بأعين الغيوب.

Page 159