ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
عرائس البيان في حقائق القرآن
Genres
وقيل : لما سمعوا قوله سبحانه : ( يختص برحمته من يشاء ) علموا أن الوسائل ليس بها شيء ، وأن الأمر بالابتداء والمشيئة.
وقيل : يختص برحمته من يشاء بالفهم عنه فيما يكاشفه به من الأسرار ، ويلقيه من فنون التعريفات.
( بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين (76) إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم (77) وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون (78) ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون (79) ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون (80))
قوله تعالى : ( بلى من أوفى بعهده واتقى ) العهد ثلاثة : عهد الأزل بنعت الكشف للأرواح في أحانين بقلب القلب في سره في أوصاف الربوبية مع الأسرار ، وهو إلقاء مخاطبة الحق بما وافق توفيق المعارف في خصائص العبودية ، وعهد الله بعد تمكين العارف وكونه عارفا بالله مع عقله بوسائط الكتاب والسنة لكون الأدب منه في جميع عمره فمن وافى روحه عهد الأزل فاز من دركات الشرك ، وبلغ سر التوحيد ، ومن وافى قلبه إلهام الخاص بإلقاء سمع الخاص وسكونه في جريان الحكم فقد بلغ عين حقيقة الرضا وخلص من درك الفناء ، ومن وافى عقله أوامر الحق بالوسائل في ظاهره وباطنه فقد بلغ حسن الأدب في مقام العبودية ويكون مرشد للمريدين ، وقائد للعارفين قوله : ( واتقى ) أي : من اتقى خطرات النفوس وطوارق الشهوات فإن الله يبلغه مقام حقيقة المحبة.
قال الأستاذ : صاحب الوفاء للوصلة مستوجب ، وللتكريم أهل ، وللرحمة مستحق ، وصاحب الخطأ ممقوت وللهوان أهل ، وللخجلة معترض ، والوفاء بالعهد الكون معه بقطع ما سواه.
قال جعفر : من أوفى بالعهد الجاري عليه في الميثاق الأول ، وأبقى وطهر ذلك العهد وذلك الميثاق من تدنسه بباطل ، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : «أصدق كلمة تكلمت بها العرب كلمة
Page 158