علمت الآن - لا شك ولا ريب - كل ما جرى، فأنت تبكي كما أبكي أنا؛ لأنك تحبني كما أحبك، وقد كان ما جرى لنا محتوما لا مفر منه، فلو لم يقع اليوم لوقع يوما آخر لا محالة، فقد كثر ما حال بيننا من الموانع، وكان كل ما حولنا موجبا لافتراقنا، ولم نكن وجدنا ليكون كل منا للآخر، ولقد وعدت زوجتك أن أبت عقدنا، وأنقض عهدنا، ولا أراك مذ اليوم إلا مرة واحدة، وسأنجز ما وعدت مستمدة ما يلزمني من الجرأة والجلد فيه من كوني أرجو أن تستريح بما أتعب، وتسعد بما أكابد من الشقاء. وقد بقي علي واجب آخر، وهو أن أرد لك ماضي وعودك وأطلقك من عهودك، فاسترد هاتيك الكلمات الطيبة والأيمان والمواثيق المكررة على ألا نفترق بحال من الأحوال، وأن نختار الهيام في الأرض معا على الفراق، وابق لدى زوجتك، فهي ملك كريم يسليك من كل أحزانك، واحببها واحن على أولادك، ثم لا تنس المرأة التي بذلت حياتها في سبيلك، أستودعك الله الآن، وأرجو أن أراك يوم أكتب بذلك إليك، ثم لا نلتقي بعدها في هذه الدنيا، فاسلم ولا تكن شقيا، ومع ذلك فاذكر ودادي وكن وفيا.
أليس
فقرأ هذا الكتاب، وأعاده حتى كاد يمحو سطوره بدموعه، أو يحرق قرطاسه بما تأجج من النار بين ضلوعه، ثم انطرح على مرتبته مجهودا ضائع الجلد مدلها غائب الرشد، ينشده لسان الحال قول من أطرب حيث قال:
رأى اللوم من كل الجهات فراعه
فلا تنكروا إعراضه وامتناعه
ولا تسألوه عن فؤادي «وإن أكن»
علمت يقينا أنه ما أضاعه
فيزيد داعي الغرام على هذا النظام
نعمنا زمانا مر كاليوم عامه
بشمل جميع لا نخاف انصداعه
Unknown page