وعش خاليا فالحب راحته عنى
وأوله سقم وآخره قتل
وبعد خروج الباريسية الحسناء ببضع دقائق عاد «ڤكتور» إلى غرفته منزعج النفس مضطربا أصفر اللون كأنما هو خائف من حضور زوجته، فابتدرته «ماري» بالكلام وقالت: لقد كانت مدام «ڤلمورين» آية من آيات الشرف والكمال، فإنها فدتنا بنفسها كرما وجودا وصفاء نية، فلله درها من صديقة صادقة! وهي تروم أن تكتب إليك وتراك مرة أخرى، وقد صار لها علينا حقوق عظيمة، فلا تنس حقها ما حييت وابذل الجهد في قضائه بالانعطاف إليها والاهتمام بخدمتها والإقبال عليها.
فقبض «ڤكتور» على يد زوجته ولم يفه بكلمة، فقالت: أراك متألما مكتئبا حزينا، فلا تخف ذلك عني.
فلا بد من شكوى إلى ذي مروءة
يواسيك أو يسليك أو يتوجع
نعم، إني زوجتك ولكني غير مقيمة لديك إلا لأحنو حنو الولدات عليك، فأداوي سقمك، وأخفف ألمك، وأصفح عن هفواتك، وأحملك على نسيان زلاتك، هذا هو شأني لديك عرفته منذ اقتراني بك، والتزمته بعد إذ أراد الله عز وعلا أن يبتليني بما ابتلى، فهل تريد الآن أن ترى أولادنا؟ - شكرا لك أيتها الحبيبة العزيزة على عفوك الذي لا حد له، وجودك الذي ليس له مثيل، شكرا لك ألف مرة، إني مذ الآن لك ولأولادنا دون سواكم، وأنتم الرابطة التي بيني وبين الحياة، وسأراكم بعد ساعات قليلة، أما الآن فإني محتاج إلى العزلة في صرف هذا الحادث الذي لم يطرأ علي في حياتي أعظم منه، وقد ظهرت لي جسامة ذنبي، وتبينت جمال صبرك وكمال جودك الذي كان من وراء العقول، وأريد الآن أن أكون أهلا لك وجديرا بك، فدعيني غير مأمورة أطلب العزلة حينا من الوقت، ثم نلتقي.
فانصرفت عنه «ماري» قاصدة غرفة أولادها وهي تقول: ما أعظم حبه وما أشد جواه! ويلاه! إنه سيكون شقيا.
وبقي هو في عزلته مستسلما للغم منقادا للعذاب، فعظم الأمر عليه حتى لم يكد يصدق ما رأته عيناه وسمعته أذناه، شأن الواقع في البلاء العظيم والخطب الجسيم يراه خارقا للعادة، بعيدا من المعهود فيداخله الريب فيه بداءة بدء، وإن علمه علم اليقين، فكان - أي «ڤكتور» - يتساءل هل عدل خفية عن حب «أليس»، ورضى أن تبذل راحتها بل حياتها في سبيله، فتتقد النار في مهجته، وتظلم الدنيا في عينيه، ثم يذكر زوجته وما عاملته به من الرقة والإحسان، وأولاده وما لهم عليه من الحقوق؛ فيزداد ألما وعذابا على عذابه وألمه، وهكذا تكون عاقبة الذين يعدلون عن سبيل الواجبات، فأما الرجال فيعدمون الراحة، وأما النساء فيفقدن الحياة المعنوية؛ أي الشرف الذاتي، إن لم يفقدن الأرواح.
ثم أتوه بكتاب من «أليس» ففضه فإذا فيه:
Unknown page